مكتبتي وأوسمتي ثمرة دوراتي

ما أن وطئت قدماي قاعة الدرس في منزلي المتواضع بعد انتهاء الدورة الإنسانية الحرة حتى بدأ شعوري بالحنين يغتال خطواتي وألم خجول يطوق خاطري، تفاصيل من ذاكرتي تسقطها تباعا أمام عيني؛ حيث أنهيت منذ يومين مشوار دورتي الباحثة عن إنسانيتي وذاكرتي في مكتبتي، وأعرف أن هناك دورات أخرى قادمة بانتظاري، وسأتحمل حبات العرق التي بدأت تبلل شعري كثيرًا، أمسكت قلمي فاقتادني دون قيود  لأخواتي الطالبات لأخبركم لو تعلمون ماذا فعل بي غيابكم؟! بكيت بهدوء بألم وخجل، هل تشعرن معي بمعنى أن يكون البكاء خجولا؟! شعرت أنني ترجمت أحاسيسنا معا. أخذتكم  معي في مشوار تفقدي الفصل  لغيابكم الذي اخترقني، أيتها الطالبات العزيزات حيثما كنتم أشتاق لكُنّ؛ حيث بدت الوحشة في عيني ترتسم بهالات سود لا تخفي عيوب الأرق الذي يكاد يستنزف فكري.

كنت أثناء الدورة أضبط قوانيني وأرسم أنفاس صدقي، فأشعر بالجرأة تتسلل بحياء ملفت وكأنني زدت سنوات جديدة فوق عمري، ولا أعرف شيئا وينفصل عني كل شيء وكأنني أقترب من صورة أمي، أكاد أناديها وأنا بين طالباتي، وأعود أكثر ارتباكا وأنا أرصد نظرات من حولي من بعض الطالبات، حيث أقف في مقدمة الطهر، نعم في الفصل الدراسي وأنا أتفقد فيه ذاتي وأحيانا أبكي وأخرى أسمع ضحكتي تأتيني من السماء، وألمح ابتسامة  أرواح الطالبات اللاتي كنّ هنا بالدورة وهن تلملم  بقايا الأوجاع  التي أنهكتها الظروف، وأنا ألملم معهن ظل روحي فما زال فيها بعض من الماضي. أنهيت دورتي التي تربت على ملامحي المرهقة بالتعب نوعا ما وتودع معي أوراقي التي بينها مشاعري، والوحشة دون الطالبات تكتسحني وكأنني ظل امرأة  لا أعرفها من قبل، تبحث عني معي في ذاكرة وزوايا  الفصل، وأصوات مرت يوما في هذا المكان الذي لا فضاء فيه يكفي لاحتوائي.

تستقبلني مكتبتي  بأوسمة ودروع وشهادات شامخة يخالطها العز والفخر والتحدي، تتناثر  المشاعر التي كنت أستحقها، وتتداخل الرفوف معها فتتيه مساحتي، لا أجد منعطفا أسلكه، ولا تعليقا يحمل امتناني وتقديري معها، أتجول فيها وأكاد ألوذ بنفسي هناك علها توقظ في داخلي اعتزازي بمشروعي الإنساني المتواضع، الذي  يتربص بي في كل اتجاه  ألتفت إليه، يدهشني دقة التنسيق يتناسخ كل رف فيها، أعاون نفسي بتذكر مواقع الجمال في قلبي  لعلي أعرف أين أهتدي إليهم! تسألني بعض الطالبات: ألا تكتفين بهذا الكم من الأوسمة؟ أصمت بحياء وتحفظ وكأنني أدفع عني تهمة! لكن البعض تعاودن بدهشة السؤال: هل تتذكرين هذا العدد الهائل؟ نعم العدد مخزون في قلبي وروحي دون أن أحسبها بأرقام وتعاودن البعض بالسؤال: ألا يزال هناك متسع ما في مكتبتك، ومع ذلك نفخر بشرف أسمائنا هناك، وجب علي أن أعترف أن كل أملاك الدنيا لا تساوي عندي وساما واحدا في مكتبتي، ضحكت من نفسي حين شعرت بالفخر بأوسمتي، هذا كل ما لدي الآن، استبدلت المال  بأوسمتي والتي تضم ذكرياتي، وتعبي، وعرقي  ودمي.

اقتربت من مكتبتي الزاخرة، رتبت آخر الدروع والأوسمة مرارا ومسحت عن الرفوف آخر بصمات الزوار، والتقطت  آخر صورة للمكتبة، وضحكت من آخر حديث محتدم مع البعض عن عشقي لأوسمتي.
ولم يبق لدي شيء غير شعوري بأن في صوتي بحة مميزة وهبني الله إياها، نعم مؤكد لدي ذلك الصوت! ولم أسأل نفسي أهو اكتفاء مريح غزا كل مساماتي؟! 
تحية تقدير للعزيزات اللاتي حضرن دورتي الإنسانية واحترمن فكري.


error: المحتوي محمي