للزمن حكايات ترتلها ألسنة الوفاء و الطهر والنبلاء, هي حكاية قصيرة بسيطة واقعية بطلتها سيدة ومربية فاضلة, قبل بدء حكايتها قررت أن تشاطر القراء قراءه حكايتها التي طالما اعتبرتها شخصية ولا تنوي سردها من باب التباهي وإنما فقط تعتبرها رسالة خاصة.
هاتفتني منذ أيام إحدى صديقاتي بل ممكن أقول عنها من تقرأ لي كثيرا, وسألتني لماذا لا ترى لي مقالات جديدة وهبطت عبارتها المتسائلة علي كأمطار طال انتظارها, والعجيب إن نفسي كادت تلومني أو تلوح لي أيضا لعدم الكتابة, رغم سؤالها يدرك أبجديات طقوس الكتابة فتزاحمت الافتراضات برأسي فكيف تجرؤ تلك القارئة على أن تطالبني بالكتابة فصوتي الداخلي هو سفير إحساسي, لست أرى أكثر من سؤالها برهاناً على اهتمامها ورقي أدبها ونبلها, آن ذاك شعرت بثورة داخلية تهزني باحتراف, فاستجمعت ما لدي من إحساس ونقاء وأخرجت نبرات صادقة قائلة لها :ابشري عزيزتي وعزمت أن أرتشف قهوتي لأكتب ما شاء لي من أفكار, ولمحت بأن لديها ما تود التنويه عنه حيث لامس صوتها روحي.
وعلى غير انتظار وقبل أن يُقَبِل قلمي جبين مقالي, تساءلتُ في همسِ يليق بصاحبة المقال, وشددت على يدها في حرارة وتساءلت : تُرى ما هي حكايتك الآن ؟! هل أنت بطلة مقالي؟! فابتسمت بطُهر وأخذت تسرد لي ما قاله لها زوجها عن عدم تواجدها الدائم بجواره وهو من يعتبرها توأم روحه , فبدت تتقاسم معي حكايتها بعدما سكنت دنيا الدهشة والاحترام على يد زوجها شيخ الرجال, الذي طالما احترمها وأحبها.
وكلما حدثتني عن إنسانيته ورجولته وشهامته صوبت عيناي إليها وكأنها تراني حقا, جعلتني استشعر بطهر قدسي تجاه زوجها لا يمنحه الله إلا لمن أراد حتى وإن مُنح تأشيرة النبل من البشر,وما فهمته عن ذلك الزوج قائلا: لمدة سنين وأعوام, وأنا ككل الحالمين الأزواج أتَحسس دفء الزوجة ليلاً, وأُفَتش صباحاً عنها ونهارا وحدث مؤخرا إن غابت عن عينيه شاغله نفسها بأنشطة خارج البيت, وأفاق بغتة يفتش عن زوجته المفضلة وحدث أنه تحدث معها ما يجعله يشعر بقوة وصدق حبه الأخاذ لها, تاركا قلبه بين يديها راغبا منها احتضانه وعازما أن يقول لها: لا زلت أحبك واحتاجك ولا أريد أن أقضي وقتا مع دونك,ويلمس هناك فجوة بعدم وجودها الدائم معه, لمعت عيناها بدمعِ يَنُم عن مرارة داخلية, وشعرت إن قلبها قد فقد بوصلة الأمان للحظات عادلت أعواما بأكمله, وبلهجة تقترب من الانكسار أكملت تلك الزوجة بوحها مُتعجِبة: لأشد ما يُدهشني أن تغيب عن زوجي أبجديات التسامح الأكثر جدلا بعالم الزواج وأنا من ضحيت بكل شيء لسعادته ولكنني أردت أن أترك بصمه في مجتمعي!
واصلت إنصاتي لحكايتها الاستثنائية بلا هوادة إلى أن سقطت من عيني دمعة مالحة المذاق, وقررت الكتابة ولكن لا مجال لي للمزاجية هنا, فعندما تتمرد الحيرة بين الأزواج, تتقلص الثقة إلى حد الاختزال وحين تتكبد ذاكرة الأزواج في بعض التساؤلات يظهر القلق على سكينته مهما اتزن ,هكذا أحسست وأنا استمع إلى صديقتي وتقودني على عجل ويبقى الزمن مرمى الوصول ,تحاملت على روحي وأسكنتها واحة الهدوء لأكتب حكايتها بصدق الإحساس.
لم أضطر لانتظار الليل طويلا في فكري حيث موعدي الاستثنائي للكتابة ، فقد جاء على عجل لاهثاً ، حاملاً معه أفكاري المغلفة بصدق الإحساس. لم يتأخر كان ثمة شيء بين طيات فكري سرعان ما عانق قلبي, محاولة احتواء احمرار وجهي بأن لا أبالي إلاّ بإطلاق العنان لإحساسي بالكتابة, أدركت أني محقة فيما أكتبه هنا وبهذا المقال بالذات، لاسيما أن صدى مشاعري يتردد في داخلي، فلاشيء يستحق الاهتمام سوى إحساسي على هذه الصفحة الفارغة, حيث السطور الخاوية من الإهداء ومعي قلمي الذي يحاكي سكون الليل, هكذا يجب أن أكون في كتاباتي جريئة قوية صادقة هكذا هو البوح, وأنا من أجيد هذا اللون وأرفع رايتي البيضاء عند الكتابة, حيث للخيال طعم آخر هنا اخترت أن لا أراه وهما في حياتي, فكتاباتي شاغله ذهني ووقتي وأحيانا أخرى كانت القطيف شغلي الشاغل.
ما أحرج هذه اللحظة ودون مقدمات, نعم أعترف بأن بعض الأزواج, أعرف أنهم أجازوا المستحيل وأباحوا الخطأ, ودافعوا عن تجاوزات ارتكبت باسم الحب والحق, نعم وأعلم أن ثنائيات الزواج يخطأوا ويعتذروا ويتسامحوا ويسامحوا, حتى تكاد حياتهم متشبعة بالعشق ولن ننكر أن يلبسنا الآخر بالهوى ونجلس في قلب الآخر دون صفقات دون بطولة أحدنا للآخر, ولكن دعيني أيتها الزوجة الصديقة بسؤال قصير:هل سيُداهمك الملل لإطالتي واسترسالي بهذا الشأن أم أنك ستبتسمين الآن ؟ تقول تلك الزوجة لقد خرجت كلمة كالسهم من زوجها كادت أن تكسر روحها, والتي أدمنت حبه واحترامه لها لسنوات وبعد تلك الكلمة جعلتها تتأرجح هنا وهناك, ولكني اقترحت عليها أن تمنحه لغة تليق باستيعاب ما في قلبه من إحساس جميل حين أحبك, لعله سيصافح الشمس وستكون كلمته صلاة بمحراب قلبك.
حملَ هذا المساء لي طعما مميزا، مُربكا، لم أختبره من قبل. لم أنجح بالاختلاء بنفسي من دون كتابة هذه الحكاية، لم أنجح بالإفلات من مفاجئة صاحبة الحكاية ، بالرغم إنها هي من حكتها لي وبحضور قوي أقوى من أي قرار! وكنت أتمنى لو اتسع بى المقام لمعالجة هذه الحكاية ولكنى رأيت أن تنتهي عند هذا الحد فيكفيني أنى حاولت, وحتى ظننت إنني لم أعبر بصورة كافية, رغم إنني حاولت أن أدون مشاعري بهذه الحكاية بوضوح قدر الإمكان وبدون متاهات لغوية, ربما أنها مسؤولية إنسانية أن أسعى إلى السمو باللحظة إلى مواطن أرقى من التفاصيل, وهذا ما يؤرقني هو هل يحق لنا أن نشعر بتفاصيل وجع الغير, ولا أعلم إنني قد تمكنت من إزاحة الستار هنا!
لقد أتاني المساء مهرولاً مُقبلاً جبهتي السمراء وحاضناً ملامحي القطيفية, ولكن لماذا انتهت ساعات المساء بهذه السرعة المُربكة ؟ هل أرادني الله أن أكتب حكاية بيضاء أبطالها أطهار يحملان الحب والاحترام لبعضهما, هذا ما استشفيت مؤخرا من تلك الزوجة بعد إدراكها نبل وطهر زوجها وحرصه على الحفاظ على علاقتهما قوية قائلة على استحياء: لديها شعور برضا نفسها دام لساعات لم تشعر به منذ فترة فلذة الإحساس باهتمام زوجها وحبه لها, شيدت لها في الحال شيئا من التحدي من أجل الحفاظ على ذاتها الحرة الأمارة بحب واحترام زوجها عازمة على ترك كل ما يبعدها عن زوجها.
فجأة، استفقت من شرودي وتنبهت للأمر على الفور, وأنا لازلت أتوق إلى لحظة هدوء, سأترك بقايا الحكاية هنا وأرتشف القهوة إن استطعت, حيث كفت أصابعي عن الكتابة لأبعث بمقالي للنشر. ولنا غدا بقية مع الحكاية بذات الطهر ايضا.