يقول أمير الشعراء الشاعر أحمد شوقي “دقات قلب المرء قائلة له.. إن الحياة دقائق وثواني”.
الوعد عهد وخُلفه – من غير عذر- كذب محض منهي عنه شرعاً وعقلاً، فاعله تحت المساءلة، هو تضييع وقت تتبعه مساوئ، تصل إلى قطيعة حقيقية لا مبالغة، والوعود لا تقتصر على الوقتية، هناك وعود مجالاتها أخرى، وما نعنيه هنا خُلف الوعد الوقتي وتأثيراته.
أولاً:- للأسف أكثر المخالفين هم ممن يُرجى ويؤمل منهم الالتزام .ومن المعنيين به، والناهين عن خلفه لا العكس.
ثانياً:- الفئوية أو الطبقية، بعضنا يعطي من له منزلة علمية أو وجاهة أو من يرى لهم تميزاً، اهتماماً بالغاً للوفاء بالوعد، وهذا أمر طيب ومطلوب، إنما للجميع دون استثناء، ولكن إذا كانت هذه الفئات وبشكل متكرر من طبعها لا تفي بوعودها، ولا تلتفت مَن أنت ولا تقّيم التزامك واهتمامك بها أو تُقِيم لك وزناً واحتراماً، بل تستصغر قدرك وتسخر منك وإن كنت أكبر منها عمراً، وتصنفك في خانة البلهاء، في المقابل ينظر هذا لمن هم دونه، كما يظن ويقدر، وقد ساء ظناً وتقديراً، بالتصغير والتحقير ويعاملهم كمعاملة من ذكرنا، مِن عدم الاهتمام، وهم ملتزمون إن وعدوه أو وعدهم.
هل هذا إنصاف؟ هل هذه إنسانية؟ أليس هذا تعامل مذلة وإذلال لمن هم على خط الاستقامة؟ لو حكّمنا ضمائرنا، ورشّدنا عقولنا، لرأينا أن معاملتنا مع مَن نراهم دوننا – كلمة في غير محلها أوردتُها للتوضيح فقط – ربما هم عنده تعالى خير منا، “أكرمنا عند الله أتقانا، لا أخلفنا وعداً والناكثين مِنا”، هؤلاء هم الأحق بالوفاء، ومَن غدرونا بوعد وكذبوا علينا واحتقرونا وأحرجونا، أولى بالتأنيب.
ثالثاً:- العنصرية والعرقية: البعض إذا وعد أهل الغرب أو وعدوه يحسب ألف حساب وحساب للوعد في وقته المحدد، لماذا؟ يقول لأنهم يحترمون الوعد وللوقت عندهم قيمة ويفاخر بمناقبهم، وأنت يا صاحب المبادئ بماذا تفاخر؟ بخلف الوعد وتضييع الوقت؟ أمّا أن وعد أهل الشرق فلا وكأن الوعد وضياع الوقت يعنيه، لماذا؟ لأنهم قوم من الجنسية الفلانية، نظرة دونية، البعض لا يعير خُلف الوعد اهتماماً لأنه أصبح سلوكه اليومي المفضل، ولا تعنيه سلبياته العظيمة لكبرياء في نفسه أو لا مبالاة بغيره، منها:-
1:- تكرار الخُلف يعني إدمان الكذب المنهي عنه والمذموم في الكتاب والسنة، ويكفي أنه من علامات النفاق.
2:- مضيعة الوقت، حياتنا دقائق وثوانٍ، كل ثانية تمر تنقص من أعمارنا دون أن نستفيد منها، محاسبون عليها.
3:- يتسبب الخُلف في تفويت مصالح أو لا أقل من تعطيلها، وضياع أرزاق وإساءة سمعة وسوء ظن أحياناً، وتكذيب صادق، ومع عدم تفهم البعض يتحول إلى عِراك.
4:- قد يكون مَن خالفت وعده عنده وعود يضطر إلى مخالفتها، أنت من أجبره عليها، وأبعد من ذلك اختلاقه أسباباً ومبررات ليرضي مَن وعد، وقد لا يرضى، ويمكن أن تتعدد الوعود إلى ثالث ورابع وهكذا.
لو اتفقتَ مع آخر – شخصية بارزة مثلاً- بعد ساعات قليلة تمر على بيته لتذهبا سوياً لاجتماع أنت جزء منه، وبناءً على ثقتك بصدقه أخبرتَ المجتمعين أن فلاناً قادمٌ للاجتماع معنا، ونظراً لأهمية هذه الشخصية وما لها من تأثير في حال الحضور، استبشر الجميع خيراً بأن يكون بينهم، تمتد الأعناق كل دقيقة متى يصل؟ عندما جئت باب بيته في الموعد المتفق عليه أو قبله لتأخذه معك، وطرقت الباب عدة مرات وهاتفته وربما هاتفت أقرباء له ليساعدوك في رده عليك، وكررت مراراً وطال انتظارك لساعة، دون رد، يئست.
اضطررتَ أن تغادر إلى حيث الاجتماع ووصلت دونه ماذا تقول لهم؟ إما الحقيقة وأنت محق، لكن فيها مهانة لهذه الشخصية وتلحقه منها سمعة غير طيبة وقد يتسع الكلام ويصل إلى غير المحمود من القول، ومنهم من يستبعد صحة قولك، أو أن تعوض بكذبة تستتر تحت رمضائها، اختلقتها لصالحه تبريراً لفشلك في إحضاره، في الحالتين، مَن المتسبب؟ ما نتائج خُلف هذا الوعد؟ ويمضي الوقت وتمر الأيام ولا يكلف نفسه ليبدي لك أسفه مِن هذا الموقف أو يبين سبب عدم رده إذ جئته، ويقابلك ولا كأن أمراً جرى ولا أنت مَن وقف دليلاً مسكيناً على باب داره، ولا وعد أُخلف أو وقت أُضِيع، أو حرجك بوجه رفاقك له معنى أو حساب عنده، إنه لأمر شديد على النفس، وغير رشيد.
بالتأكيد إذا لم تكن مؤمناً حقاً حليماً وتحبس أنفاس غضبك وتتحلى بالصبر، لحفظ رحم أو صداقة، تكون ردة فعلك عنيفة دون حساب لما ينتج عنها من أمور، والمتسبب مَن أخلف ولم يبين السبب أو يعتذر.
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، والناس لها أحاسيسها لا ترضى بذلها، عامل كما تحب أن تُعامَل، خُلف الوعد كذب، فلا تنهي عنه وتأتيه، عار عليك عظيم.
أعتذر عن ورود بعض الكلمات أو العبارات القاسية.