لم تعد الوظيفة هدفًا لدى كثيرات، فطابور الانتظار طويل، ويحتاج إلى حمل ثقلٍ من الصبر، ورغم أن الوظيفة ليست هدفًا محددًا إلا أن الحاجة للعمل متطلب أساسي؛ لذلك لجأت الكثيرات إلى هدم طابور الانتظاء، وبنين لأنفسهن مشاريعهن الخاصة، والبناء لم يحتج معاول وإسمنت وغيرها، بل كان يكفيهن ضغطة زر في هاتفهن النقال، وإنشاء حساب خاص لذلك المشروع.
من بين أولئك زينب رضا المطرود، والتي بدأت قصتها قبل عشر سنوات، فقد حملت ابنة القديح، الحاصلة على درجة البكالوريوس بتخصص إدارة أعمال من جامعة الملك فيصل بمحافظة الأحساء، أوراقها وطرقت العديد من الأمكنة، بعد تخرجها بعام، لتحظى بوظيفة توافق تخصصها، لكن وقف الالتزام الأسري حائلًا بينها وبين قبول الوظيفة، فعادت إلى بيتها، لتجتمع مع بعض قريباتها بعد أن صنعت قهوتها المميزة.
وفي حديث نسوي لا يخلو من المزاح، ألقت إحداهن السؤال: “لماذا لا تصنعي لنا القهوة ونشتريها منكِ؟”، وكأنها فتحت بوابة أمل لباب عمل ورزق والأهم أنه هوايتها المفضلة، وجاء “رشفة قهوة”، الذي كان في بدايته باسم “سويت ستيشن”Sweet station ، للحلويات والقهوة.
البداية عربية
في بداية تعلقها بالقهوة وإعدادها، تقول “المطرود”: “البداية جاءت بسيطة، حيث بدأت بصنع القهوة العربية بمذاق شعبي بين أهلي وصديقاتي، الذين لفتهم ذلك المذاق، حيث كان طعمه مختلفًا عن الأنواع الأخرى، حينها أطلقت إحدى قريباتي سؤالها المستفز تحفيزًا ونشوة الاكتشاف لديها، وهو: “لماذا لا تصنعين كميات من القهوة، ونشتريها منكِ؟”.
وتضيف: “أخذت كلامها بمثابة المزاح البريء، لأنني مرتبطة بمسؤوليات الأسرة، إلا أنه وبعد توفيق من الله، وتشجيع أهلي وصديقاتي، بدأت بصنعها منذ عشر سنوات، حينها اتخذتها مهنة وهواية، لا تفارق دقائق يومي، لأقوم بصنعها لأهلي وصديقاتي فقط، رغم أنني أقوم بتصنيعها من الألف إلى الياء، وقد كانت صعبة جدًا في طريقة تحميصها وطحنها وانتقاء الأجود من أنواع البُن”.
عاشقة القهوة
الشغف عادة يجعلنا نصنع المستحيل، وعلى عكس القاعدة التي تقول “حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب”، وجدت “المطرود” نفسها في هوايتها وشغفها في صناعة القهوة.
“المطرود” التي يطربها مسماها “عاشقة القهوة”، توضح: “إن دخولي إلى عالم القهوة، جاء لأني أصف نفسي من خلالها بـ “عاشقة للقهوة وشغوفة بها وبفنها ورائحتها”، واتخذتها وظيفة حرة حتى أحصل على وظيفة حكومية، تناسب مؤهلاتي ووضعي مع عائلتي، كي لا أحرمهم حق الأمومة والاهتمام بهم”.
ومن هذا المنطلق، قامت بوضع لمساتها على مشروعها الخاص، الذي أطلقته عبر قناة التواصل الاجتماعي “إنستجرام”، بعنوان “رشفة قهوة”، ليتضح لها أن السؤال الذي كان شرارة انطلاق مشروعها، كانت تلاحقه أسئلة أخرى، لتكتمل سلسلة الإبداعات، منها؛ لماذا نشتري القهوة المصنعة؟ وما طريقة تركيبها؟ ومن أي منشأ؟ لتجيب بأن جزءًا من أهدافها من المشروع؛ أن تكون أول من يهتم، ويحضر قهوة منزلية آمنة من حيث نسبة الكافيين، أو المواد الحافظة، أو نسبة السكر، أو مصدر البُن المصنع منها، نظرًا لأن مجتمعنا يظهر اهتمامًا غير مسبوق بالقهوة، فهي جليسة المكان وكل زمان، وتعطي الإنسان هرمونات السعادة، هكذا البعض يعبر عنها، مؤكدة: “نعم، تأخذك وتأخذنا إلى عالم الروقان وعالم آخر لا تصفه الكلمات، لكنه نشعر به في ذواتنا”.
النكهة الأولى
تسرد “المطرود” الأنواع الأولى التي أعدتها، وهي؛ القهوة العربية الملكية، التي تحتوي على الهيل والزعفران، وخلطة مختارة من إعدادها، التي لها محبوها من النساء، أيضًا والدها وإخوتها ووالد زوجها، لافتة إلى أنها تتميز بمذاقها التراثي، وتحضر القهوة الفرنسية بالبندق، التي يعشقها جميع الزبائن، والتي تمتاز بوجود بُن الأرابيكا، والبندق العضوي، ومواد مصنعة منزليًا، والموكا، التي نالت إطراء الزبائن مؤخرًا، لأنها تحضر باردة في الأجواء الحارة، وساخنة في الشتاء.
وأشارت إلى قهوة الكوكيز بالكريمة والشيكولاتة، وطعمها مستوحى من تركيبة الكوكيز، التي تعتبرها تختصر ما يميز قهوتها، إضافة إلى صنعها أنواع القهوة اللاتيه الإيطالي، حيث تحضر من المادة الأساسية؛ البُن الإيطالي، مع مواد تصنع منزليًا، وبكلمات عاشقة تقول: “هذه جميعها، كنت أترنم بمذاقها، مع صديقاتي وأولادي، هذا الجانب ملهم ومفعم بتحقيق كل أمنياتي الذاتية، وهنا كانت بداية “رشفة قهوة”.
تجدد دائم
والنكهات الجديدة التي أعدتها منذ عام تقريبًا، وهي؛ قهوة فرنسية بالبندق، وفرنسية بالفانيلا، واللاتيه الإيطالي، والموكا.
وأكدت أنها ستواصل هذا المشروع، لأنها اتخذته طريقًا يرسم هوايتها وشغفها، خاصة أن كل يوم يحمل الجديد بين طياته في عالم القهوة، وأسرار تحضيرها ونكهاتها غير المحدودة، وقالت: “هذا المشروع يستحق الخوض فيه، ويستحق معرفة أسراره، لأنه من أساسيات الحياة على جميع الأصعدة، ويدخل جميع المناسبات الشخصية، والدينية”.
علامة عالمية
ولا تخفي “المطرود” تلك المخاوف التي واجهتها في مشروعها، ومنها الخسارة الوقتية، وتوضح: “كنت أصنع كميات كبيرة من القهوة، وهي تأخذ مجهودًا في الإعداد، ويجب وزنها بالمقادير المضبوطة إلى أن أصل للطعم والرائحة والنكهة المطلوبة، إلى أن تمت دراسة كل نوع على حدة بمجهودي الشخصي والاختبارات الذوقية من قبل عائلتي الحبيبة”، إلا أنها تفكر مستقبلًا أن تمتلك علامة تجارية عالمية معتمدة على الصعيد التجاري، لتستطيع أن تتوسع في منتوجاتها.
ثقافة التسويق
“التصوير لغة تسويقية”، مقولة لأستاذها في الجامعة في مادة التسويق، الدكتور أحمد البلالي، الذي قال: “إن المقوم الرئيسي لأي منتج للتسويق، يكمن في فن التصوير”.
ولم تغفل صانعة القهوة زينب المطرود تسويق بضاعتها، لتجعل من كاميرا ابنتها الكبيرة مساعدتها في نشر إعلاناتها بطريقتها المبدعة دومًا، فهي المؤثر الكبير لتسويق منتجاتها بطريقة أكثر احترافية.
مزاج هادئ
وفي رشفة قهوتها مع «القطيف اليوم»، وجهت كلمة لعشاق القهوة، وقالت: “لعشاق القهوة مثلي، إن القهوة مفتاح للصحة، وكثرتها خسارة للصحة، اختاروا العدد المعقول من الأكواب في الأوقات المناسبة، وأحسنوا الاختيار لمزاجكم”.