منذ زمن ليس بالقصير، وأجد العديد من أصدقائي، ومن أعز عليهم يؤكدون لي هذا المطلب، يدعونني لأن أكتب عن والدي الحاج منصور بن محمد بن علي الخرمدي (١٣٣٩ – ١٤١٨) الذي يعرفه جيل الآباء والأجداد في جزيرة تاروت، وربما لم يعاصره اغلب الجيل الحالي، فالحديث عنه يعني الحديث عن حقبة زمنية هامة من تاريخ جزيرتنا الغالية.
وكنت دائمًا أخاطب نفسي: كيف لي أن أكتب عنك يا أبي؟ إني لخائف بأن لا أجيد ذلك التاريخ الصعب والذي حمل الكثير من الصعاب والمخاطر.
ألحوا علي، بل إن بعضهم أبدى تعاونًا منقطع النظير في تزويدي بالمعلومات التي خفيت عني، ولم أعرفها، ولم أدرك كنهها، أو ربما لم أع ما تعني.
فأردد دائمًا: رحمك الله يا والدي، لقد مرت سنون عدة على رحيلك، وما زلت ماثلًا في ضمير أبناء المجتمع، وما زال من عاصرك يذكرك بخير.
أشعر بالعجز التام خوفًا أن لا أوفي، كما أنني أخشى أن تعاودني الهموم وينتابني الحزن، وتتجدد علي المأساة التي طالتني برحيلك عني، وعن العائلة، وعن أبناء المجتمع، يكفي أن العديد ممن عاصرك يحمل ذكريات عديدة، ومواقف كثيرة، وأحداثًا، ربما كان النسيان يريد أن يطويها، لكنها ماثلة في سماء الذاكرة.
إن والدي الحاج منصور محمد علي الخرمدي – أبو أحمد، مع والدتي الحاجة زهراء بنت حسن آل سالم – أم أحمد، وهي من أهالي الربيعية، توأمان نذرا نفسيهما لخدمة المجتمع، ابتغاءً لمرضاة المولى جل شأنه، وبحثا عن مجد عند العزيز المقتدر، خاصة أن مشاكل المجتمع كانت كثيرة، وهمومه عديدة، ولكن الباب كان مفتوحًا على مدار الساعة.
إن والدي يرحمه الله ــ لمن لم يعرفه ـ فقد ولد في بلد أسلافه حي الديرة في جزيرة تاروت، وعاش فيها مع العائلة، وكان منزلهم في وسط الديرة القديمة مع العوائل الكبيرة المحترمة، قبل أن ينتقل إلى الدشة، ثم إلى الربيعية، وكان ـ قبل أن يصبح مختارًا ثم عمدة لجزيرة تاروت ـ تاجرًا، لديه محل في الديرة، وقد تم ترشيحه من قبل الأهالي وحصل على دعم وتأييد وتزكية من قبل أهالي وأعيان البلد وعدد من أعيان القطيف ومنهم المرحوم سماحة الشيخ عبد الحميد الخطي، والذي تحدث معي شخصيًا خلال تواجدي بالمحكمة في إصدار صك حصر ميراث بعد وفاة والدي (رحمه الله) وبقوله لي رحمه الله، ببشاشة وجهه وابتسامته الأبوية الحنونة التي تعودناها من سماحته (ترى إحنا من رشحنا أبوك عمدة)، وتم تعيينه على المنصب عمدة لبلدة تاروت وتوابعها في عهد المغفور له صاحب السمو الأمير عبد المحسن بن جلوي، أمير المنطقة الشرقية، عام ١٣٧٧ للهجرة بعد مضي ما يقارب أربع عشرة سنة ما يسمى وقتها مختار للبلدة، وقد خدم في العمدوية ما يقارب الثلاثين عامًا بمجموع ما يزيد على الأربعين سنة خدمة متواصلة، وفي هذا الصدد لدي وثيقة تعيينه وهي صغيرة لا تتعدى طول وعرض الكف!!
إن جزيرة تاروت تعرف جيدًا هذا الرجل، لكن عددًا من معاصريه وأصدقائه ومجالسيه قد رحلوا عن عالم الدنيا (رحمهم الله جميعًا)، وبعضهم لا يزال على قيد الحياة (أطال الله أعمارهم في صحة وعافية)، ولعلي في هذه العجالة أذكر من بعض العوائل التي كان لها ارتباط كبير مع العائلة منذ القدم حتى الآن، عائلة الشيخ (آل سيف) المعلم، الطويل، الحس، الدخيل، المسحر، الصفار والمعيبد، الصغير، آل محمد حسين، البصارة، آل حيدر، الدعلوج، الصادق، المشور، الشكر، العبد الغني (على منصور)، القطري، الحبيب، المطوع، المعتوق، الحماد، آل نوح، الصيرفي، الخطي، أبو السعود، بن نصر الله، الفارس، سليم، العلويات، الحجاج، القلاف، حليل، الملالي، البيابي، المختار، الفردان، السنونة، الزاير، الوحيد، الدبيسي، المعتر، المحاسنة، العبد الواحد، السني، المحسن، الأحسائي، الحساوي، الطريفي، المعيلو، حمادة، اسليس، المهر، المطر، الشايب، المسيري، العيد، أبو زيد، المبشر، الزريقي، أبو عتابة، الدهان، الشيوخ، المحروس، القروص، الطوال، اليوسف، المخلوق، المهندر، آل خاتم، النابود، آل ضيف، القيصوم، آل قنبر، العصيص، الدرورة، النهاش، آل تركي، أبو الرحي، السهوان، المضوي، أجليح، أبو كبوس، الكويل، آل فريحين، الفتيل (المدن) الفسيل عائلة الربابي، عائلة المتعب، عائلة الماء، والخباز والعقيلي، وغيرهم العديد (سوف نذكر بالتأكيد المزيد من جميع المناطق بالجزيرة وغيرها وبالتفصيل لاحقًا).
ومن لهم تجارة في السوق العام بتاروت كان تواجده ومعروفه لمن يقصده من الأهالي، وهم كل من الحاج علي بن رضي الصفار، والحاج علي المعلم، والحاج علي بن إبراهيم التاروتي، والحاج عون الجنوبي، والحاج علي الصادق، والمطوع والحبيب بسنابس والصادق والحجيري بالربيعية، وأذكر محلاتهم ومواقعهم، فضلًا عن أن وجوههم الكريمة حاضرة في ذهني، وأذكر أيضًا ما سطره قلم سعادة الدكتور جميل الجشي حفظه الله والذي كانت له لفتة جميلة يشكر عليها بذكر سيرة والدي في كتابه “تراث الأجداد” ص ٤٢٠ ص ٣٠٥.
ويعيش في ذاكرتي عدد من أعيان الجزيرة الذين ليس بوسعي ذكرهم، حيث سيطول بنا المقام، إلا أنه كذلك لا بد من الإشارة إلى أسماء بعض العوائل التي ينتمي لها والدي وهم أبناء عمومته وأخواله، عائلة المتروك والدبيس (وهاتان العائلتان تحديدًا اللذانع ننتمي لهما قبل استبدال اللقب بالخرمدي)، والذي سوف نتناول الحديث عنه لاحقًا، ومن أبناء عمومته الكرام عائلة الحليو وآل عوجان والنطعة وغيرهم سوف نذكرهم بشكل أوسع في كتابنا المرتقب، والذي سوف يتناول بعون الله العديد من النقاط والحقبات الزمنية منها على سبيل المثال: المولد والشباب، الزواج والأعمال الأولى، ترشيحه مختارًا لتاروت ثم تعيينه عمدة، ومن أبرز النقاط ذات الصلة بالمهنة؛ العمدة وعلاقة المجتمع، العمدة والأمن، العمدة والبلديات، العمدة وإصلاح ذات البين، العمدة والأسر الفقيرة (الضمان الاجتماعي)، العمدة وأعيان البلد، العمدة والتجار، العمدة والبحارة، العمدة والخراريص (حصر زكاة النخيل)، العمدة والعسس (حراس الليل في الأسواق)، العمدة والأحداث منها أسباب الحرائق المتكررة التي اجتاحت بعض مزارع البلدة فترة طويلة من الزمن حتى عام ١٤٠٠ للهجرة، العمدة وعاشوراء، العمدة والخطباء والمشايخ، العمدة وقضايا الأهالي، العمدة وخطابات الشكر والثناء من الأهالي والجهات الرسمية والجمعيات الأهلية وغيرها، العمدة والصلاحيات المعطاة له.
ومن أبرز ما قيل ممن عاصر تلك الفترة الطويلة من عمله، العمدة المحامي، صاحب أيادٍ بيضاء لكل فرد من أفراد جزيرة تاروت. وفي الكتاب العمدة وطلب التقاعد بسبب المرض (ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب)، وسوف نذكر لاحقًا كثيرًا من الأمور الهامة والتاريخية التي تعني الجزيرة وعضوية العمدة في اللجان المشكلة كعضو خبرة، التي من اختصاصها حل الكثير من القضايا ورفع الآراء والمقترحات للجهات المعنية، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ اللجنة المشكلة لأراضي مخطط الجامعيين والدخل المحدود، وذلك سنة ١٤٠٣ هجرية.
وأنا ـ في هذا الصدد ـ لا أنسى حسن علي دهنيم، هذا الرجل أطال الله في عمره، كان بحق كاتبًا لخطابات الوالد ومن أهل ثقته، وكان والدي رحمه الله يحمل ختمه الرسمي، يمنح جميع طالبي توقيعه في أي وقت وبكل ثقة وبسهولة ويسر وللمساعدة وقضاء حاجات أهالي مجتمعه.
أشكر كل من طالبني بالكتابة عن والدي، وأعدهم خيرًا، وأطلب منهم مساعدتي لرصد الحوادث التي مرّت، وكان فاعلًا خلالها، فالوالد كان عمدة ومصلحًا اجتماعيًا ويمتاز بشخصية قوية ومؤثرة، وما هو جدير بالذكر أن والدي قد عاش معي بعد تقاعده سنوات عديدة في مدينة الرياض خلال فترة تواجدي على رأس العمل بالقوات الجوية، وتوفاه الله بتاريخ ٥ / ٥ / ١٤١٨ هجرية، بمستشفى القوات المسلحة بالرياض حيث كان يتلقى العلاج، رحم الله والدي ورحم الله والدتي رحمة الأبرار، وأسكنهما فسيح الجنان، وحشرهما مع محمد وآل محمد الأطهار، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
العمدة: