“إذا أردت أن تكون ثريًا فابدأ بشق طريق، وإذا أردت القضاء على البطالة فأنشئ سوقًا”.
يكتسب الاستثمار البلدي أهميته في كونه أداة رئيسة في توجيه الاستثمارات في المحافظة نحو القطاعات التي تحتاجها التنمية المحلية، فهو أشبه بصانع السوق في أسواق الأوراق المالية، فهو محفز للاقتصاد المحلي وفي نفس الوقت يحقق إيرادات جيدة للبلدية دون أن تكون هذه الإيرادات هدفًا مستقلًا بذاته بل تابعًا للهدف الاستثماري الأسمى الذي يتسم بالحكمة والكفاءة.
هذه الأهمية للاستثمار البلدي تحتاج لرؤية إستراتيجية وخطة طموحة وإرادة، وليس تضييق المفهوم والتطبيق في الفرص الاستثمارية الهامشية، فالأكشاك والفرص الاستثمارية المتناهية الصغر التي – حتى لو تم حصرها على رواد الأعمال – لا يمكنها أن تحل محل أسواق النفع العام المركزية أو المشاريع التنموية التي تحتاج البلدية أن تدفع باتجاهها لسد احتياجات المحافظة.
إن الفشل الحالي في إعادة إنشاء كل أسواق النفع العام في القطيف التي هدمتها البلدية ولم تستطع بناءها أو تشغيلها حتى الآن يحتاج إلى دراسة واهتمام أكبر كي لا يتحول هذا الفشل إلى هدر وتفريط في إيرادات البلدية، وفي نفس الوقت والأهم أن يمس مصدر عيش فئة مهمة من الأهالي قد لا تجد مصدر زرق آخر.. إن غياب أو تغييب سوق النفع العام عن أي بلدة أو محافظة يعني رفع مستوى التكلفة على البائع والمشتري في آن واحد، كما أنه يفقد السوق أجواء المنافسة في الجودة والأسعار.
لو توسعنا قليلًا وعقدنا مقارنة سريعة للأداء البلدي في هذا المجال فسوف نرى الأمر أكثر ضبابية ولا يعطي انطباعًا بأن هناك اهتمامًا مناسبًا بإنشاء مشاريع تنموية في المحافظة، فكيف للبلدية مثلًا أن تطلب مختلف الدراسات البيئية المتعلقة بتأثيرات المناخ والتربة والهواء وتحسين المشهد الحضري وغيرها للبدء في إجراءات الموافقة على إنشاء مستشفى تحتاجه المحافظة أيما احتياج وبذل الأهالي لأجله الكثير، لكن البلدية نفسها تتناسى كل هذه الدراسات في مشروع جزيرة الأسماك (اللغم)! بل كيف تتناسى أن (جزيرة الأسماك) التي ردمت البحر لأجلها تقع في محيط جهاز أمني عسكري يحتاج بطبيعته إلى سلسلة من الإجراءات الاحترافية الخاصة التي تتعارض مع المرونة التي تتطلبها الأسواق عادة!
يمكن للبلدية الاستمرار في طرح فرص استثمارية صغيرة مثل الأكشاك وغيرها والتي لا تعبر عن احتياجات المحافظة التنموية وتجني منها بعض الإيرادات المتواضعة، ولكن يمكنها أيضا وبنفس الجهد تقريبًا أن تعمل على طرح فرص استثمارية حقيقية مدروسة تشكل قفزات تنموية للمحافظة تسد احتياجاتها وتجني منها إيرادات متعددة أفضل بكثير من السائد حاليًا.
إن الاستثمار البلدي يحتاج إلى أن يكون انعكاسًا وتعبيرًا عن احتياجات المحافظة قبل أن يكون معبّرًا عن أفكار واجتهادات فردية بعيدة عن أهداف وغايات الاستثمارات البلدية. إن البحث عن الآليات المناسبة لسد الثغرات التي تعاني منها المحافظة عبر إحدى الصيغ الاستثمارية البلدية هو الأسلوب الأقرب لتصحيح المسار الاستثماري والتنموي للمحافظة.