نصبَ صيادٌ فخاخاً للطيورِ المهاجرة التي تعبر أراضيه منذ مدة، إلا واحداً منها كان غِرَّاً صغيراً، يجهل حيلَ البشر وكيف يجعلونَ الموتَ يبدو جميلا. لم ينتظر ولم يستشر من معهُ من الطيورِ فحطَّ سريعاً فوقَ فخ. أطبق الفخُّ ولكنَّ الطائر الغِرّ أفلتَ منه بعد عناءٍ شديدٍ كادَ أن يودي بحياته.
عادَ الطائرُ كسيرَ الجناح إلى والدهِ في السربِ خجلاً فقال له والده: اسمع مني كلمات احفظها ثمَّ اعمل بها، ما أنتَ إلا طائر فليسَ عيباً أن تصطادكَ الفخاخُ وأن تقعَ في الحفر والمخاطر، لكن عيباً أن تموتَ دونَ أن تحاولَ الخروجَ من ورطتك، سوف تقسو الأيام وتعثر فلا أقلَّ أن تلعقَ جراحك وتمضي قدما. لا تُري الطيورَ الأخرى جناحكَ المهيضَ الواهن ولا تُري البشرَ جراحاتك. سوف يستضعفك البشر ويهملك الطيور.
ما نحن إلا بشرٌ أيضاً، تقسو الأيام، تتعثر التجارب وكأنَّ مياهَ أنهارِ الحياة تجري عكس ما نريد، ليس عيباً أو مذلةً أن نعثر في أيِّ شيء تقريباً، لكنَّ العيبَ والأسى أن نبقى في أسرِ ما وقعنا فيه. حياتنا أكثر تعقيداً من حياةِ الطيور وأخطر منها، علاقاتٌ قد تخيب ومكسبٌ قد لا يرقى لما نطمح ومراتب لا نصل إليها، وهكذا لا حصر لما قد لا ننجح فيه ويبقى المهم أن نتفحص طريقَ السقوط ونسأل لماذا أنا؟ عندما نعرف السبب لابد أن يحضر الأمل في النجاة.
أمل من وقعَ في حبال الخطايا {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وأمل من صارَ في شرك إنسانٍ آخر {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}، ومن ظنَّ أن سوادَ الفقرِ لا ينجلي {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وأمل من طَرَقَ كل الأبواب ولم تُفتح له {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
أما أنتَ أيها الطائر: أملُكَ في الحياةِ أن تعلم أنه لو خشي من قبلك شِباكَ الصياد وفخاخهُ في البراري والمروجِ؛ ما رأوا جمالَ الرحلةِ وماتوا حيث هم من قلة الحَبِّ والماء، وما وصلتَ أنتَ إلى هنا، وألاَّ تكن من القضاءِ في حزنٍ مدنف إن وقعتَ في شباكِ الصيد، فما أنتَ إلا طائر!