إبراهيمُ يطلب واحدة!

تزوجَ النبيُّ إبراهيم (ع) وعاشَ مدةً طويلة لم يكن له ولد، قاربَ المشيبُ أن يحرمه من متعةِ الولد، ثم جاءه إسماعيلُ وإسحاق ولكن تذكر الأحاديثُ أنه طلبَ شيئاً آخر! أعطاهُ اللهُ على كبره ولدين فيهما كل ما يتمنى أبٌ أن يكونا له أو أحدهما ولكن كتب الحديث تذكر “أن إبراهيمَ خليل الرحمان (ع) سألَ ربه أن يرزقه ابنةً تبكيه بعد موته”. طلبٌ فيه من الرقةِ والجمال والدلال والغنج والوفاء لكل من عنده ابنةٌ أو يتمنى واحدة.

تقول العربُ في من يَقطع على النّاسِ الرأيَ فيما هُم فيه “قَطَعَتْ جَهِيْزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيْب” فكيف إذا كان الخطيبٌ هو القرآن؟ حكى القرآنُ عن النبي إبراهيم (ع) أنه “كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا” فهو الذي علَّمنا كيف نفكر في الله وفي الكونِ ونبني ونشيد ونهاجر ونصبر ونؤمن ونوحِّد ونربي ونَبر والدينا ونحب. لا يحتاج إبراهيم الخليل (ع) إلى كتبِ التاريخ لتحكي فصولَ حياته، فكلها تقريباً حكاها القرآنُ في صورٍ رائعة تجعل كل من يقرأ عنه يتمنى أن لو رآه وعاشَ أيامه!

في سيرِ الأنبياء والعظماء يظهر جانبُ الجد والقوةِ والمثابرة وكل صفات القادة ولكن قليلاً ما نقرأ عن الجانبِ الآخر الذي لا يظهر منه لنا إلا القليل، جانب العاطفة والرقة والجمال الكامل الذي يشترك فيه كلُّ الناس. من كان له والدٌ مثل إبراهيم الخليل لابد أنه حزنَ حين موته وبكا. ذلك أغلب الظن ما حصل لإسماعيل وإسحاق ولكن بقى في الطلبِ الذي قدمه إبراهيم (ع) لربه كلمات تخبر عن علاقةِ البنت بأبيها، قريبةٌ منه في حياته وفيةٌ لذكراه بعد مماته.

لم يذكر التاريخ أن ذلك الطلب تحقق وجاءت لإبراهيم ابنةٌ بكت عليه بعد موته، فإن كان عندك واحدةٌ أو أكثر مما تمنى الخليلُ أضحكها وسرَّها في حياتك فهي التي سوف تندبك وتبكيك في مماتك. على العكسِ من إبراهيم (ع)، يذكر التاريخ أن النبيَّ محمد (ص) لم يكن عنده أولاد بعد موته وكانت عنده ابنته فاطمة (ع) التي بكتهُ طوال المدة القصيرة التي بقيت بعده فيها ومما قالت فيه حين برح بها الشوق إليه:
قَلَّ صَبرِي وَبَانَ عَنِّي عَزَائي
بَعدَ فَقدِي لِخَاتَمِ الأَنبِيَاءِ
عَينُ يَا عَينُ اسكُبِي الدَّمعَ سَمحاً
وَيْكِ لا تَبخَلِي بِفَيضِ الدِّماءِ
يَا رَسُولَ الإِلَه يا خِيرةَ الله
وَكَهفَ الأَيتَامِ وَالضُّعَفَاءِ
لَو تَرى المِنبَرَ الَّذِي كَنتَ تَعلُوهُ
قَد عَلاه الظَّلامُ بَعدَ الضِّياءِ


error: المحتوي محمي