سبل النجاة درة سجادية  

ورد عن الإمام السجاد (ع): “ثلاث منجيات للمؤمن؛ كف لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته” (بحار الأنوار ج ٧٥ ص ١٤٠).

من علامات السلامة والنجاة من لجج الحياة ومحطاتها الاختبارية هي قصر الهمة على إصلاح النفس، والتخلص من ربقة الشهوات المتغلغلة والمشاعر السوداوية تجاه الآخرين، فهذه الهمة في تكامل نفسه وتحويل كل يوم إلى صفحة بيضاء يسطر فيها شيئا مما يتزود به ليوم المعاد، هي ما يؤشر إلى النجاة من فتن الدنيا في نظر الإمام السجاد (ع)، وأما من سلك طريق الهلاك من خلال شغل أوقاته بالتلصص على دقائق يوميات الناس، فستتلقفه موبقات كثيرة كالغيبة وهتك الأستار وغيرها.

وما حياة الإنسان ومحطاته العمرية إلا سفينة تشق عباب الأمواج العاتية، والتي يمكنها أن تغرقها في أي لحظة يغفل فيها ذلك الربان عن قيادتها نحو ساحل النجاة وبر الأمان، فنباهة المرء ويقظته الفكرية والروحية تنجيه من السقوط أمام أي عقبة تواجهه، فالسقوط مصير كل إنسان غافل يتيه في دروب الحياة بلا مصباح هداية ولا مستند يعتمد عليه.

والمؤمن يحمل صورة واضحة لحقيقة الدنيا الزائلة التي يحيا فيها مدة من الزمن ثم الرحيل مصيره الحتمي، وهذه البصيرة تجنبه الكثير من الآفات الناجمة عن حب زينة الدنيا ونعيمها الزائل كالطمع والبخل والأحقاد على الآخرين وغيرها، فالسلامة من المخاطر المحدقة به من كل جانب يسلم من ضررها إن استمع وأنصت لصوت الحكمة والوعي، ومن الألطاف الإلهية بنا أن مدنا بتلك اللآلئ المضيئة في دياجير الحياة من قبل الأنبياء والأولياء (ع) ومنهم الإمام السجاد (ع)، والذي يبث أحد الدروس التوعوية قبل أن يخوض المرء اللجج والمصاعب.

المنجي الأول: ترك الغيبة، وما أدراك ما الغيبة من آفة مدمرة للفرد والمجتمع، فذكر الآخرين بسوء والتطاول على شخصياتهم بالغمز من قناتهم وتسقيطهم من أعين الناس ينطوي على أضرار جمة، إذ من انشغل بالآخرين غفل عن مراقبة نفسه وجوارحه، فأنى له بالتصحيح لأخطائه والوقوف عليها وهو ينفق أوقاته الثمينة في القيل والقال؟!

ويسلب من المغتاب التوفيق للأجواء الروحية والسير في طريق القرب من الله تعالى، فيفضل ارتياد مجالس أكل لحوم الناس على مجالس الدعاء والارتقاء الروحي، وينشغل ذهنه بمتابعة أخبار الناس وتفاصيلها حتى تصبح نفسه فضائحية متتبعة للعثرات.
وأما المجتمع الذي تتفشى فيه هذه الآفة فيسوده الظنون السيئة وانعدام الثقة، وتتأجج نيران الكراهية والأحقاد فتسن حراب العداوات والخصومات، وتسقط مظلة التعاون والتكاتف وروح التسامح.

والمنجي الثاني: انشغال المرء بنفسه بعيدًا عن تشتت الاهتمامات بتفاصيل حياة الناس وسقطاتهم وأسرارهم وعثراتهم، فيحدد له أهدافا يسير عليها بما يحقق له النفع والسعادة في الدارين على مستوى علاقته بربه، وتعامله الطيب مع الناس الذي يكسبه محبوبية في أوساطهم وسيرة حميدة يقتدى بها.
فالإنسان في تهذيب نفسه وتزكيتها يحتاج إلى التخلص من نقاط ضعفه وتقصيره لذا يعرض صفحا عن الحديث السيئ عن الغير، وأما الهماز والطعان في أعراض الناس فهو يحاول أن يغطي سوأته بتضخيم وكثرة تداول عيوب الآخرين فتضيع أخطاؤه، ولذا فإن من يسعى لتحطيم شخصيات الآخرين ومنجزاتهم ويحاول اتهام الغير في نيته ويسيء الظن به، هو شخص ضعيف يتوارى خلف الأكمة لكي لا ترى نفسه الوضيعة وهمته الضعيفة.

وأما المنجي الثالث والآخير الذي يذكر به الإمام (ع) فهو النهوض بعد السقوط وتجديد العهد الدائم بالتوبة والأسى على ما صدر منه من ذنوب وآثام، فمن أوجه التقرب إلى الله تعالى وغسل الماضي بماء الندم هو تذكر المرء ما اقترف، فليتصور عرض شريط مرئي لجريمته ومعصيته على مرأى من البشر، أفلا يخاف الفضيحة والسقوط من أعينهم! فمن كانت الآخرة وموازينها نصب عينيه فسيتحرز من كل عمل يبعده عن رحمة الله تعالى، فاليقظة الروحية والامتناع عن المعصية مستقبلا تتوهج مع دموع الحسرة والأسى من لحظات غفلته واستسلامه لأسر النزوات.


error: المحتوي محمي