لخصت الكاتبة روعة مجاهد الفرج تجربتها في حياتها العلمية والعملية التدريبية الاجتماعية في باكورة كتابها “عزف على أوتار الحياة”، وضمت في محتواه 26 مقالًا، تشكل سيمفونية عذبة تناغي من يقرأها، وتقوده إلى مدارج الإنجاز الذي يصبو له، ويحققه بما يملك من طموح وتحدٍ للصعاب.
وصدر الكتاب عن دار أطياف للنشر والتوزيع بالقطيف، ودار روافد للطباعة والنشر والتوزيع، والذي جمعت بين دفتيه 234 صفحة من القطع الوسط، متناولة فيه مجالات عدة بين التنمية البشرية وتطوير الذات، بالإضافة إلى مقدمة تعريفية بالكتاب، وبسيرتها الذاتية، مع وقفة الشكر والإهداء لمن ساعدها على الصعود إلى سلم الإنجاز.
ويلخص الكتاب بعضًا من تجربة ابنة العوامية الدكتورة “الفرج”، وكيف استطاعت الحصول على تخصص طب طوارئ، مع تزاحم مهامها العلمية والأسرية، وكيف كونت اللبنة الأولى لعائلتها، إلا أنها لم تغفل عن تحقيق ذاتها في الحصول على عدة شهادات أهلتها لأن تكون؛ مستشارة تنمية بشرية في البورد الدولي للجودة، ومدربة دولية معتمدة في تطوير الذات، ومدربة معتمدة داخل أقسام المستشفيات، ودبلوم طب نفسي وإرشاد.
وركزت في كتابها على الصور التعبيرية البسيطة التي تترجم بعض الأهداف التي يتضمنها المقال، تقود القارئ إلى الوقوف قليلًا للتفكير فيما بين السطور، خاتمة كل مقال بخاطرة تلخص ما جاء فيه.
وذيلت طرفه العلوي بجملة “كن أنت ولا تكن نسخة كربونية”، كدعوة منها إلى الاستقلال وإيجاد شخصية مستقلة لكل شخص، تعكس أفكاره وسلوكه أمام الآخرين بناءً على رغباته، في ظل الدعوات المتعارفة في المجتمع التي تكون مع القطيع في أي فعل يقومون به، فتصبح أفكاره وسلوكه حول نطاق ضيق بمفهوم “نحن الآخرين”، مؤكدةً بين مقالاتها أن الإنسان هو كيان مميز مستقل بذاته، مطالبةً باكتشاف الذات الحقيقية المجردة من أفكار الآخرين والتبعية التامة المجتمع، فكل شخص قادر على أن يكون مميزًا وليس نسخة ممن سبقه.
وسردت الكاتبة حكايتها في بداية صفحات كتابها منذ أن كانت طفلة ذات 5 سنوات ترفض اللعب التقليدي، وتوجهها للعب بأدوات الأطباء، تجسد دورهم بأسلوب عفوي تغلفها البراءة العذبة في حركتها، مما أحاطها بدعاء والديها وأجدادها، بل تعدى للعائلة بأسرها، أن تكون طبيبة في المستقبل.
وأوضحت “الفرج” كيف تجاوزت ضعف شخصيتها وعدم قدرتها على اتخاذ القرار رغم تفوقها الدراسي ونشاطها المميز على نطاق المدرسة، إلى أن وصلت إلى المرحلة الثانوية وبدأت تخرج من شرنقة الخجل الاجتماعي، مع انتقاد البعض لها لكثرة قراءتها بين الدروس والثقافة العامة، وإثبات أنها قادرة على مواجهة المواقف الصعبة بالتعايش معها.
وأشارت إلى أولى خطوات الانطلاق في عالم الكتابة عندما كانت في عمر التاسعة، بكتابة الخواطر والمقالات القصيرة، التي برز فيها أفقها الغض الذي ينبئ عن أصالة قلمها الذي رافقها بتفريغ مشاعرها، وقادها ذلك مع الأيام إلى الفوز بجائزة كتابة أفضل مقال على مستوى المنطقة الشرقية في التخطيط للمستقبل.
وأضافت أنها مع مرور سنوات تمكنت من التغلب على الصعاب، وتعلمت من تجاربها في الحياة كيفية التوازن بين جوانب الحياة بقولها: “علمتني الحياة كيف أوازن بين الحياة العلمية والعملية وإيماني بذاتي وقدراتي، وكان ذلك سببًا لإصداري، تعلمت من أمي أن الصبر لا حدود له، ومن أبي كيف تكون العزيمة والهمة، وأحبتي كيف أبني نفسي بنفسي وكياني مستقبلي، والعطاء من العمل التطوعي”.
من جانب آخر، وقفت “الفرج” في حديثها مع «القطيف اليوم»، على بعض المحطات في تجربتها الكتابية، وتولد فكرة كتابتها البكر خلال حوالي سنة ونصف السنة من الكتابة، عندما كانت في القاهرة بعد تقديمها إحدى الأوراق العلمية في مجال التدريب في البورد الخليجي للجودة، لافتةً إلى أن الشغف والتعطش لتقديم المزيد كان القائد لها آنذاك، إذ ترى أن الكاتب الحقيقي هو من يصنع شيئًا مختلفًا ببصمته الخاصة وواقع خبراته في الحياة كي تستشف قلوب الناس قبل عقولهم.
واعتبرت الكتاب دورة تدريبية مكثفة نحو التدريب والرقي بالذات لمواجهة المتغيرات المحيطة بالشخص، اعتمدت فيه بشكل أكبر على خبراتها وتجاربها في صقل المادة، بالإضافة إلى جانب دراستها في مجال التنمية البشرية.
وحول سؤال: “لكونك مدربة في التنمية البشرية، لو طلب منك عقد مقارنة بين التدريب المباشر والكتابة، كيف تكون المقارنة؟”، أجابت بقولها: “لا توجد مقارنة بين الاثنين ولكن القراءة هي طريق إلى تغذية العقل، والتعلم الذاتي هو أفضل طريقة للتعلم، أما التدريب المباشر فهو عملية اكتساب معلومة جديدة، وإضافة جانب الخبرة الذي يقدمه المدرب، وكل دورة تدريبية ستضيف لك إثراءً معرفيًا بشكل ما”.
وذكرت أنها رغم تنقلها بين المجالين الطبي والكتابي، إلا أنهما قدما لها الحب والشغف للعطاء ودعم الآخرين، فهي تدرب في مجال الصحة والتنمية البشرية حرصًا منها على تقديم رسالة العلم التي رسختها بكتابة هذا الكتاب.
وأجابت عن سؤال: “ما مدى توجه روعة إلى الكتابة عن الفنون الأخرى من رواية وشعر وقصة؟”، قائلة: “الحقيقة أنني أكتب بعض القصص والخواطر والشعر ولكن بشكل شخصي، لأني أفضل دائمًا مجال التنمية البشرية لأنه يجمع الكثير من الأساليب في الطرح، والتي تنمي خيال القارئ وتحفزه وتثري معلوماته”.
وتحدثت عن الخطوات التي اتخذتها لإخراج الكتاب، موضحة أنها بدأت بعد إنهاء الكتاب ومراجعته، حيث سُلم لدار النشر لتنفيذ الإجراءات اللازمة، مثمنةً الأيدي الخفية من وراء الكواليس التي كانت داعمة ومحفزة لها.
ووصفت “الفرج” مرحلة إخراج الكتاب والمعوقات التي واجهتها، مؤكدة أن رحلة الكتابة هي المتعة الشاقة، مع حرصها على تبسيط أسلوب الكتاب والاختصار لتسهيل استيعاب القارئ بمختلف الفئات العمرية، كما أن مرحلة التصميم كانت متعبة، إلا أنها جاءت بشكل مرضٍ.
وحول سؤالنا عن “مكانة المرأة القطيفية من البوصلة الأدبية وهل أخذت حقها في الحراك والدعم الأدبي؟”، أجابت أنها ترى المرأة قد أثبتت نفسها في جميع المجالات الأدبية والعملية وغيرها من المجالات، فالمرأة الآن قادرة على أن تصل إلى أي مستوى تطمح له، وفرضت وجودها في المجتمع بدون أي معوقات كما في السابق.