قبل سنوات ليست ببعيدة، كان الخلاف قائمًا بين المختصين في عوالم المسرح حول تعريف “السينوغرافي”، هل هو مصمم الإضاءة المسرحية، أم هو بحسب تعريف المسرح الأمريكي؛ المتخصص في تصميم جميع العناصر البصرية للعرض المسرحي، أما في محيطنا الإقليمي فلا نبحث كثيرًا عن تلك المفاهيم، وربما لا نلتفت إلى الإضاءة إلا عند إظلام قاعة العرض أو إعادة الأضواء، وسط تأفف لما يحدثه الضوء المفاجئ على العين، إلا أن «القطيف اليوم» التقت واحدًا من أبناء مدينة سيهات الذين أغوتهم الإضاءة، وخطفهم أبو الفنون إلى عوالمه الخفية، فحقق نجاحات وجوائز عدة، ولم يكتف بذلك بل عمل على صقل موهبته التي اكتشفها مبكرًا، فبادلته شغفًا بنجاح.
إنه مرتجى جاسم الحميدي، مصمم إضاءة مسرحية، وأحد مؤسسي مجموعة “الريبليون”، والذي بدأ أولى خطواته نحو المسرح قبل 14 عامًا، ومتخصص في التصميم الضوئي” السينوغراف” منذ 7 أعوام.
ويقول “الحميدي”: “عملت حوالي سبع سنوات على تطوير أدواتي، سعيًا إلى الاستزادة من عالم الإضاءة والمسرح، وصقل الموهبة، وأخذت مجموعة من الدورات في العاصمة البريطانية لندن، منذ عام 2013م، من مسرح الشباب الوطني البريطاني والمنظمة العالمية للمسرح اليونسكو ITI”.
لغة الضوء
ويوضح تلك الشفرة الخاصة للضوء، ولغته الجاذبة، بأن مصمم الإضاءة يصنع الحالة المسرحية الموجودة، وينقل أجواء الحدث بلغة حسية بصرية، ولذا ينبغي عليه أن يكون مطلعًا على النص، وملمًا بالسيناريو، ومتعمقًا في الفكرة والعوالم التي تدور فيها الحالة، وكيفية توزيعها -الإضاءة- وفقًا لذلك، من حزن أو فرح، قلق أو يأس، وغيرها من المشاعر الإنسانية للشخصيات والأجواء، والتي يحولها إلى ضوء يعكس ذلك.
تغذية بصرية
ويؤكد “الحميدي” أن مصمم الإضاءة عليه أن يطور موهبته وأدواته، بالتمعن في كل شيء جميل في الكون، فـكل شيء تنظر إليه العين هو عبارة عن انعكاس الضوء عليه، ويسأل دائمًا، ويبدأ في طرح الأسئلة: كيف حدث، من أين المصدر، ما تأثيره النفسي، فهذه الأسئلة والتفاعل تقوده إلى درجة حساسية عالية، ويتفاعل من خلالها مع كل ما حوله، ومن ثم يعكسها تلقائيًا في عمله.
المسرح العالمي
ويوثق علاقته بالمسرح العالمي، الذي يستقي منه كل جديد في الأدوات والمهارات، ويقول: “علاقتي بالمسرح العالمي وثيقة جدًا، فالمسرح العالمي يشغل شغفي، ولا أكل أو أمل أبدًا من متابعة العروض المسرحية سنويًا، خاصة في بريطانيا”.
المنتج الفنان
ورغم صعوبة المقارنة بين المسرح العالمي والمسرح المحلي في القطيف، إلا أن الفضول أخذنا إلى معرفة ما ينقص مسرح القطيف ليصل إلى المستويات العالمية، وأكد “الحميدي” لنا أن المسرح في القطيف يفتقد المنتج الفنان صاحب المادة، الذي يمتلك حسًا فنيًا، وينقصه الثقافة المسرحية، وصالات العرض، وكذلك الجمهور الذي يملك الذائقة الفنية، وفي الحقيقة هنا لا يُلام الجمهور، بل يلام الفنان الذي لم يقدم عملًا يتذوقه الجمهور، ويستمتع به.
المضحك المبكي
كثيرة هي المواقف التي تمر على الإنسان، ولكن عندما يتعلق الأمر بعمله، فهناك مواقف تطبعها الذاكرة وتكون غير قابلة للنسيان، ومن المواقف المضحكة التي لا ينساها “الحميدي” ويذكرها لـ«القطيف اليوم»: “رآني ذات يوم رجل كبير في السن، فتح جواله أمام عيني، ليريني “لمبة”، وقال: شوف اللمبة، وين ألاقيها، لأجيبه: لا أعلم، ليباغتني بسؤال بتعجب: ليش أنت ما تشتغل في اللمبات؟!”.
ويضيف: “أما الموقف الحزين فكان خبر وفاة معلمي، وأول مَنْ تدربت على يديه، وكان من الجنسية الهولندية، وقد منحني الحب الكبير، وكان يقدم لنا ورشة عمل في الإضاءة والصوت، وكنت أحضر عنده الإضاءة، وبعد ما تنتهي الورشة، بعدما تحط قدماي في السكن، كان يقدم خدماته لي، ويسألني دائمًا إن كنت أحتاج لأي شيء. كان يسكن في ذات السكن الذي أسكنه، ورحيله آلم قلبي كثيرًا، وما زالت كلماته وحركاته تعيش في وجداني، ليسكن في ذاكرتي”.
فنون أدائية
كان “الحميدي” أحد الذين وافقهم الحظ في الحصول على منحة دراسية متخصصة من أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية “Sharjah Performing Arts Academy (SPAA)”، وذلك منذ أسبوعين، وهي تُعنى بدراسة أربع سنوات في الإنتاج المسرحي، ونيل شهادة البكالوريوس، حيث كان التقديم عليها “أونلاين”، ويقول: “بعد اجتياز الاختبار، أجريت المقابلة “أونلاين”، بسبب وجودي حينها في بريطانيا”.
شاطئ وإلهام
وكما كان يقول فنان المسرح العربي يوسف وهبي “وما الدنيا إلا مسرح كبير”، يؤكد “الحميدي” أن الحياة مسرح، والجميع من ذكور وإناث، هم ممثلون على هذا المسرح، والمسرح لا يخلو من فضاء “السينوغرافيا”.
ولأن الإبداع يلازمه دائما إلهام، يعتبر “الحميدي” أن كل شخصية اهتمت وصنعت في مجالها بصمة تميز هي ملهمة بالنسبة له.
أما الطموح، فقال عنه إنه كائن لا يعترف بالاستراحة، إنما خطواته دائمًا متلاحقة، ينتهي بخطوة، ليبدأ أخرى بحلم جديد، وأفق جديد.
مرتجي الحميدي
*عضو في المنظمة العالمية للمسرح “اليونسكو ITI”.
*عضو جمعية المسرحيين السعوديين، والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام.
*حاصل على العديد من الجوائز المحلية والعربية.
*حاصل على دورات من مسرح الشباب البريطاني NYT بالعاصمة لندن.
*حاصل على دورات من المنظمة العالمية للمسرح (اليونسكو ITI) في دولة الإمارات.
* شارك في أكثر من 50 عرضًا محليًا وعربيًا وعالميًا.
الجوائز
*مركز الأول، وجائزة الملك عبد الله للبحث العلمي- جامعة الباحة- عام 2012م.
*جائزة أفضل إضاءة في مهرجان المسرح المدرسي عام 2016م.
*جائزة أفضل إضاءة في مهرجان فيلادلفيا العربي – الأردن- عام 2016م.
*جائزة أفضل سينوغرافيا في مهرجان حكاية – الرياض – عام 2015م.
*جائزة أفضل سينوغرافيا في مهرجان الجنادرية المسرحي – الطائف – عام 2016م.
*جائزة أفضل إضاءة في مهرجان الدمام المسرحي – الدمام – عام 2016م.
*الترشيح لجائزة مهرجان الصواري لموسمين على التوالي.
ملاحظة: مصدر الصور الفنان مرتجى الحميدي