قال تعالى {كل نفسٍ بما كسبت رهينة}
إن إلغاء بعض الصفحات أو تمزيقها من الدفتر، أو إزالتها من الذاكرة يحسبه البعض محواً للأحداث الفعلية؛ لأن التاريخ يدوّن ما يريده الناس فحسب.
التاريخ بأحداثه وتفاصيله لا يموت أبدًا، التاريخ يتكون من أجزاء متعددة ومركبة تشكل اللوحة الخارجية في نهاية المطاف، وهي اللوحة التي حملت عمل الإنسان من المهد إلى اللحد وفق معايير السماء.
تتحول اللوحة الفنية إلى صحيفة أعمال تكون أوراقها بيضاء تارة، ورمادية تارة، وحمراء تارة وسوداء أخرى، وقد تكون بلون واحد كصحيفة المعصومين البيضاء، لكن هذا اللون يزداد إشراقا يومًا بعد يوم “إن لك درجة لن تنالها إلا بالشهادة “، وقد تكون الصحيفة سوداء وتتحول فيما بعد لبيضاء أو العكس.
إن المحصلة النهائية لمراحل أعمال الإنسان السلبية والإيجابية هي التي تحدد مصيره في الآخرة، أما اعتقاد أن عملًا واحدًا كفيلًا بمحو كل شيء – وإن كان صاحبه فاسقًا – فهذا يحتاج إلى نظر بلا شك.
التائبون قسمان: قسمٌ ارتبطت ذنوبهم بالعباد: يُنظر في صحف أعمالهم من المهد إلى اللحد، ولكن عملية المحاسبة تخضع لاعتبارات خاصة تقدرها السماء: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
وقسم آخر: ذنوبهم متعلقة بالله عز وجل؛ وهم الذين يحجب الله ذنوبهم حتى عن الملائكة وتحال صحائفهم إلى الجنة.
حتى حسن الخاتمة الذي حظي به بعض الموفقين كان نتيجة أعمال سابقة أدت إلى هذا التوفيق الذي يراه الناس {وما توفيقي إلا بالله}، كما أن سوء خاتمة البعض لم يكن وليد حدث واحد وإنما تغيّرٌ جذري في منظومة القيم والأخلاق اقتضى ذلك المصير الأسود، لأن بعض الذنوب تهتك العصم، وتزيل النعم، وتحجب الدعاء، وتحول دون فيوضات السماء، وترمي بصاحبها في سوء المنقلب.
ما ذكرناه هو ما يقتضيه العدل والمنطق والعلم البشري المحدود – مهما علا – غير أن ألطاف السماء ورحماتها يوم الورود بلا حجب ووسعت كل شيء – دون استثناء؛ تصب على الخلائق صبًا، فتمحو من الذنوب ما لا طاقة على حمله، وخاصة حين تكون الوسيلة محمد وآل محمد حيث المقام المحمود.
إن إبليس، وفرعون، وهامان وسواهم، يطمعون في رحمة الله ودخول الجنة لما يرونه من رحمة عظمى، وكرم متدفق، وغفران للذنوب، وعطاء بلا مَن، ومكافآت بلا حدود.
وعليه؛ فلا قنوط – أبدًا – من رحمة الله لأي مخلوق مهما علت ذنوبه وتتابعت آثامه، لأن القنوط قرين الضلالة وساعدها المتين {ومَن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}.
إن حسن الظن الخالص بالله طهور الآخرة الأسمى؛ لذلك ينبغي على الجميع حمله والتشبث به قبل الرحيل.