محطات الحياة هي نقاط لعرض المشاعر تجسّدها لوحة ننفث فيها من أرواحنا ألوان الحياة التي تتفاوت بين لون مفرح ولون محزن وفيما بينهما لون ينتصف اللونين ويقف موقف الحياد الممل الذي لا لون له.
بعض ألوان المشاعر تبقى عالقة بلوحاتنا دون أن تتغير إلى أن تأتي محطة قوية تمسح ذاك الأثر وتحيله للون أخف أو قاتم.
وأن أتيت للواقع فستكون اللوحات القاتمة هي التي تظهر بتأثيرها الواضح أكثر ممن كان تأثيرها زاهي الألوان.
بث اليوم التاسع من محرم متغير الألوان بمشاعره وكأنه عتبة لدخول بركان لا تهدأ فورته ولا شيء يوقف امتداد نار حممه لكل شيء يصادفه فالأمر غدا مريعًا.
يبدأ العرض بتصفح ألبوم صور في ذهن الوجدان لإيجاد نقاط الشبه فيما بينها وبين صورة للجمال معلقة عليها شريطة سوداء تكتم أنفاسك من سوادها.
الصورة لشاب يقال لم يتجاوز العشرين من عمره وكان العمر رابط شبه بينه وبين جدته الشابة التي ورث منها العمر القصير الذي لم يعرف يومًا هدرًا لوقت الشباب بغير فائدة.
معالم الحُسن بالخلق والخُلق والمنطق قد تصل لحد الفوز بلقب أشبه الخلق بينها وبين معالم الحُسن النبوي لخاتم الأنبياء محمد (ص) وكأنها روح ثانية لمحمد كانت بمثابة الرحمة لكل قلب يشتاق لجمال النبوة المحمدية التي خُلق جمال الكون منها.
وهل تعلم كم يفعل الشوق من تغيير في فصول حياة كل مشتاق؟
طبيعة البشر تنجذب لكل جميل به معالم الكمال سواء من ناحية الظاهر أو الباطن من الشكل والفكر والمنطق.
ولا نلوم كل من نسج حرير الأشعار وصاغ حروفه من ذهب في مدحه:
جمع الصفات الغر وهي تراثه *** عن كل غطريف وشهم أصيد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر *** بأبا الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه في خلق وطيب خلائق *** وبليغ نطق كالنبي محمد
ولكن ماذا إذا انخسف بدر الجمال لمن حوى تلك الصفات التي كانت بلسم الشفاء للقلوب المشتاقة لمن رحلوا ولا عودة لهم من الطاهرين؟
الخسف سيكون بلون الموت الفظيع الذي لا يرحم من أهانه بعدم الخوف منه حين قال: أن كنا على الحق فلا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا؟!
فجاء منجل الموت ليحش حشاشة ظمآن بشدة العطش أولًا، ولم تكن ضربة الرأس شافية لغليله في خسف البدر، لا بل تشاركت كل أدوات القتل المتوحشة لتنتهش جسدًا ممسوسًا بنور إلهي، لتتركه مقطعًا إربًا إربًا وغدا كقطعة من اللحم الموزع التي أغرقتها الدماء القانية.
لتأتي رحمة السماء بحضنها الواسع لتحضتن بدرها المخسوف لتكون ذاك الحضن بطل العرض الذي كان الأداء فيها لا تقوى على تجسيد صفته أفضل النصوص المحترفة، فكانت لحظة توقف فيها الزمن بتغير لون الكون بعين السماء، حين اسودت بعين الحسين عندما سمع صوت ابنه الأكبر مناديًا: أبتاه حسين أدركني.
كلمته التي كانت كالصاعقة على قلب الوالد الحنون جعلته يفزع منها ويضطرب قلبه الذي لم يُهدئه إلا الامتداد عليه طولًا بطول ليسجل نقطة احتضار في لوحة حياة الحسين حيث لا يتبدل لون جرحها الدامي مهما غرقت المحاجر بالدموع لمسح ذاك اللون.
ولا يزال هناك من يحتضر لفقد شبابه ويلبس السواد عليه لسنين طوال ويلام على ذلك، حين لا يتسلى باسوداد لون الكون من كآبة الحسين على شبابه الذي قل نظيره ومع ذلك كان يقول: إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.