بريق الأبيض يزهي بليالي الزفاف ولكن باتت هناك أمور تخبئ بريقه الجميل فيغدو بريقًا تملأه الكثير من الأمور المتزاحمة التي تجعل لون بريق الأبيض يخبو ويخبو.
كلما اقتربنا من معنى ذاك البريق سنشعر بمدى قيمته بسعادة غامرة، وكلما ابتعدنا عن المعنى دخلنا للمادة البغيضة التي تُفقد الأشياء الإحساس بالشعور الخالص بالسعادة.
عرض اليوم الثامن من محرم شهد عرض زفاف كانت إحداثياته غير موجودة بزفاف آخر، ولا أظن أحدًا بالعالم ممن يريد التميز بليلة زفافه سيختار زفاف زفته الصوائح والنوائح.
بدأ العرض بإضاءة مركزة على دمعة نازلة مع صوت لتأوه موجوع وصوت يطرق الأسماع من لسان البلاغة للأمير الموصوف بأبو الأيتام حين يقول:
ما إن تأوهت من شيئ رزئت به
كما تأوهت للأطفال في الصغرِ
قد مات والدهم من كان يكفلهم
في النائبات وفي الأسفارِ
ليكون اليتامى بحضرته ملوكًا تحرسهم يد دلاله وتناغيهم لمسة حنانه التي تطعمهم العسل المصفى ليشتهي الجميع كونه يتيمًا بحضرة علي.
هو الضرغام في الهيجاء الذي لا يهاب شيئًا، ولكنه لا يقوى احتمالا على دمعة يتيم تُسكب أمامه، لهذا ربما لن تجد صوتًا ليتيم يبكي في زمنه.
كفالة الأيتام وراثة ورثها من أبيه وجده وورّثها لأبنائه فسل عن الأيتام الذين تربوا على أيديهم وستجد أنه لا محل للهم في قلوب من ترعى قلوبهم أيد مسقية بندى العطف الإلهي.
وهناك حفيد لعلي تيتم بفقد والده السبط الأكبر ليعيش صغيرًا في بيت عمه الحسين لتكون حياته حياة تخلو من الهم والكدر مادام الحسين يتنفس أنفاس الحياة.
وحين ضاقت الأنفاس على الحسين ركب الهم للقاسم ابن الحسن حين رفض عمه أن يبارز من ضيق عليه هواءه، فكانت المنقذ له صوت أبيه المرسوم بلوحة تلك العودة المعلقة بيده لتنفرج همومه بإذن البروز لساحة الخلود ليذوق فيها ما هو أحلى من العسل.
لكن قبل ذلك كانت يد الحنان لا تفكر في ضيق أنفاسها بل فكرت كيف ترسم بسمة بزفة يتيم يذكرها التاريخ وليست أمه فقط التي أوصاها بذكره عند كل زفة:
يمه ذكريني من تمر زفة شباب
من العرس محروم وحنتي دم المصاب
الزفاف لم يكن متلألئًا بثياب البياض الخاصة بأي عرس بل كان العرس أقرب بعرس الزفاف للموت حيث كانت الثياب بهيئة الأكفان.
العروس بطلة العرض لم تكن سكينة وإن كان عقدها عليها لأن موعد الزفاف كان حين انحنى يعدل انقطاع شسع نعله الذي سيدخل به على عروسه الجديدة المدعاة بالشهادة.
عرس خالد تقيم زفته كل عام ملايين الناس لتذكر زفاف القاسم على عروسه الشهادة ولا أخفي أن هناك من أحبوا زفافه المميز فأهداهم ابن الكريم زفافًا مثله أشعاره النعي وتصفيقه لطم على الصدور لشبان لم يكتمل غصن بانهم.
ولو كان زفافه متغير الألوان وحضوره يلبسون السواد بدل البياض ولكن الكل يخرج من ذاك العرس بنثار العرس وشموعه التي يبذل لها الكثير جهده وماله لتكون لائقة بعرس ابن الحسن الكريم.
ولا أشك أن الكريم يرد من قبل، وحضر دعوة زفاف ولده ويرجعه بيد فارغة من شمعة تضيء الأيام القادمة بفرح..