قد يجمعك القدر معه في مكان واحد قد يكون مدرسة أو معهدًا أو كلية أو هيئة أو جماعة أو حتى محلًا عامًا، النظرة الأولى تحمل نوعًا من الانجذاب، ولكن لا يبعد أن تكون أحيانًا لا تحمل الانسجام والأيام هي التي تقلبها للعكس.
حين تسأل أحدهم كيف التقيت بصديقك المقرب الذي أصبح مع الأيام أخًا لك لم تلده أمك، فلن يتذكر كيف تطورت العلاقة لتصبح على ما هي عليه ليكون يحمل جزءًا من يومك يكون معه، فجائز جدًا أن هناك من سيكون رده أنه كان بالبداية لا يطيق رؤيته والآن لا يطيق غيابه.
هناك تمهيدات غيبية حصلت لنا بعالم الذر لتكون الأرواح متآلفة مع من تآلفت معه بذاك العالم، لهذا قد نقول هذه العبارة “وكأني رأيتك من قبل فوجهك مألوف لدي”، أو يحدث حدث فتعود ذاكرة الذر لتقول عنها: كأن هذا المشهد معاد لدي.
عرض اليوم السابع من محرم فيه تكرار لبعض المشاهد التي لم تكن فقط بعالم الذر بل كانت بعالم الوجود أيضًا.
المشهد الأول:
الزمن: الثاني عشر من شهر رمضان بالسنة الأولى من الهجرة النبوية.
الحدث: مؤاخاة المهاجرين والأنصار.
حين توفى ناصرا رسول الله (ص) وأصبح عامه عامًا للحزن، جاءه الأمر بالهجرة من مكة إلى المدينة، ليعقد بعده مؤتمر الأخوّة بين المهاجرين والأنصار .
عُقدت المؤاخاة وبقي واحد دون مؤاخاة وجاء يكفكف دمعه للنبي العظيم إذ لا أخ له آخاه معه ويقول له: “آخيت بين أصحابك وتركتني؟”، ليكون هو المذخور منهم ليكون أخ النبي وناصره الذي يكون بمنزلة النفس حين جاءه الرد: “تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدّعيها بعدك إلا كذاب”.
المؤاخاة غدت تجري جريان الغدير ليعاد عرض مشهد المؤاخاة أمام آلاف الحجيج العائدين من الحج مع رسول الله (ص)، لكنها كانت الأيدي تتآخى بطعم الولاء لعلي ابن أبي طالب (ع) الذي يقوم مقام نفس الرسول (ص) بعد رحيله.
تلك الأكف المتصافحة والمتعاهدة على الأخوة كانت بطلة العرض، لأنه من ذاك الولاء جاء مولود علي ليرث العهد بالأخوة الصادقة ويكرر نفس الأخوة التي تبقى إلى آخر رمق بالحياة، لهذا كانت يداه مصدر بكاء لكل من يدرك كم تعطي من فداء لمعنى الأخوة.
الأخوة التي لا تثبتها كلمة أخي فقط بل أثبتتها أيام الحياة بالإيثار والمحبة، فها هو العباس على النهر يستشعر برد الماء لكن كانت الثواني القليلة التي لمس فيها الماء وزادت عطشه لم تمنعه من الوفاء فلم تتردد كفه الوفية من رمي الماء على الماء رغم كل عطش الدنيا الذي شب ناره في صدره من العطش.
وبآخر رمق ظامئ نادى بأعذب كلمة كان ينتظرها سمع الحسين من العباس وهي “أخي”، ولكنها كانت عميقة لحد الفاجعة لأن صاحبها لن يكررها ثانية.
وإن انتهى العرض وسألتم عن باقي المشاهد المكررة، فسل عنه حُمرة عين الزهراء وطبرة رأس علي وقل: “ألم يكن العباس وارثًا فيهما؟”.
وإن جاءك الجواب فاعلم أن يديه وإن قُطعت فلا نهاية لعطائها الوافي لمن يعرفها.