كان والدي – رحمه الله – يصطحبني معه للسباحة خلال عطلة نهاية الأسبوع في عين الحارة القريبة من منزلنا بالمبرز، الأحساء، وهي من عيون الأحساء الجارية والمشهورة تاريخيًا. وهي حوض كبير تم بناؤه للسباحة وفي منتصف هذا الحوض الكبير يوجد حوض صغير وعميق حيث ينبع الماء من عمق يزيد على عشرة أمتار.
كان الكثير من الناس يسبحون ويغسلون ثيابهم وينشرونها لتجف تحت حرارة الشمس ثم يقضون وقتًا في المتعة والحديث مع الآخرين في جو اجتماعي رائع وبعده يغسلون أبدانهم ورؤوسهم ثم يلبسون ثيابهم النظيفة راجعين إلى منازلهم.
كان هذا بالإضافة إلى السباحة المنزلية أيام الأسبوع، ولكني أذكر السباحة الجماعية في عين الحارة لأنها نشاط اجتماعي يحمل الكثير من الدروس.
بعد أن كبرت، أرجعت شريط الذكريات، وتأملت في هذه الرحلة الأسبوعية مع والدي فكم كان حريصًا على أدائها أسبوعيًا – رحمه الله – وضمن ترتيب دقيق يشمل غسل اللباس والبدن وصفاء النفس والحديث مع الآخرين. لم يكن والدي يقبل أي عذر في عدم السباحة سواءَ للعب الكرة أو أي عذر آخر، فاستنتجت بعض الدروس التالية:
• السباحة الجسدية من أعظم النعم على الإنسان ولولاها لنتنت رائحة الإنسان واتسخت ثيابه وابتلي بالأمراض الفتاكة، وقد ورد: “النظافة من الإيمان”.
• لابد أن ينزع الإنسان ثيابه عدا الساتر حتى يتمكن من النظافة التامة.
• يلبس الإنسان الثياب النظيفة بعد السباحة حتى لا يعود في ثيابه المتسخة.
• السباحة الجماعية الأسبوعية تعطي بعدًا اجتماعيًا للنظافة يشترك فيه أبناء المجتمع.
ثم تأملت إن كان الجسد يحتاج إلى غسيل يومي وأسبوعي فماذا عن نفس الإنسان وروحه وقلبه المعنوي؟ هل يتسخ ويحتاج إلى غسيل؟ وكيف؟
في الواقع إن القلب المعنوي (أو الروح أو النفس) يتسخ كما تتسخ الأجسام ولكنه وسخ معنوي فيبتلى بالحسد والغيرة والغرور والرياء والعصبية والبعد عن جادة الحق وقد يقسو فيكون كالحجارة أو أشد قسوة وقد يبتلى بالرين فيرى الأمور معكوسة فيصبح الجميل قبيحًا والقبيح جميلًا، {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}؛ لذا:
• خوفًا من أن يصاب القلب بأمراض معنوية فتاكة مزمنة فيصبح قلبًا مفترسًا متوحشًا، لابد له من سباحة معنوية يومية وأسبوعية وموسمية:
• يجب نزع ملابس القلب المتسخة حتى يستفيد الإنسان من السباحة المعنوية، ألا وهي ثياب الكبر وثياب الحسد وثياب العصبية وغيرهم.
• {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}، إنها فرصة رائعة فليركض الفرد مسرعًا إلى السباحة المعنوية والتي يغسل فيها قلبه من الرين والقسوة. السباحة المعنوية قد تكون عبر الصلاة اليومية، فقد ورد: “إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظن أحدكم لو كان في جسده درن، ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم أكان يبقى في جسده درن؟! فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي”.
• {اركض برجلك}، قد تكون السباحة المعنوية جماعية في المناسبات الكبرى كالحج والمناسبات الكبرى حيث يغسل الجميع قلوبهم بالمطهرات المعنوية كالدعاء.
• {اركض برجلك}، حين ينتهي الفرد من السباحة المعنوية، يجب ألا يعود في ثياب القلب المتسخة بل يلبس ثياب القلب النظيفة بعد أن غسلها من أدران الكبر.
• {اركض برجلك}، كما كان والدي ملتزمًا بهذه السباحة، فليكن عهد الفرد مع نفسه ألا يقبل التسويف بل يركض برجله لأي فرصة ممكنة ليخرج منها بنفس مطمئنة ويقين صادق.
ليكن شعارك هو {اركض برجلك} لنظافة الجسد الصحية ولسعادة القلب المعنوية.