في الملاحة.. قبر يسكن «المعلى» 230 عامًا.. آل درويش يؤلف فيه.. وآل سنبل: الوثائق تشكك

– شاهد القبر مؤرخ بـ1207هـ
– وثيقتان استدل بهما الشيخ أمين آل درويش للوصول لنسبه
– يرجع له بناء مغتسل الأموات القديم في الجش
– مدفون في مزرعته التي أوقفها للمقبرة
– الباحث آل سنبل: كل ما نعرفه عنه سمعناه من أفواه الرجال
– آل سنبل: اختلاف اسم الأب في الوثائق يدعو للتشكيك

230 عامًا والإجابة مدفونة في قبر صاحبها، حتى بعد أن أثير حوله ما أثير، وبعد أن تناوله الباحثون، وأُلِف حول سيرته كتابٌ بأكمله، إلا أن ذلك عند البعض لا يعني الإجابة الكافية ولا الشافية، فكل ما يعرف عنه اسم على شاهد قبر، وتأريخ لعام الوفاة على ذات الشاهد، وبقية الحكاية مبتورة، فلا عائلة تحمل نفس الاسم، ولا أقارب يشهدون أن ذلك فعلًا قبر سماحة الشيخ لطف الله بن علي بن حبيب القاري الأحسائي، والمتوفى عام 1207 هـ، ففي بلدة الملاحة حيث القبر في مقبرتها لم يأتِ أي ذكر لوجود نسب ممتد ولو من بعيد لنفس الشخص.

أغلب ما تعرفه الأجيال المتأخرة عن هذا القبر أخذ من كتاب “الشيخ لطف الله آل عَيْثَان.. ظهورٌ بعد النسيان”، من تأليف سماحة الشيخ أمين حبيب آل درويش.

صعوبة
يقول سماحة الشيخ في تمهيد كتابه إنه: “يصعب على الباحث المؤرخ الإحاطة بتاريخ الرجال، خصوصًا من عصفت بهم كوارث الزمان، وأبعدتهم عن الأوطان، وانقطعت صلتهم بالأهل والإخوان؛ لذا ينبغي الأخذ بما يتوفر لدينا من مصادر حَدّ الإمكان، وإن كانت قليلة، ومن هذا المنطلق ترجمة العالم الجليل الشيخ لطف الله آل عيثان الأحسائي (رحمه الله)، الذي ساقته الأقدار أن يهجر قريته القَارَة وهي من قرى الأحساء، ويسكن قريتي الملاّحَة والجِش”.

البداية
يذكر “آل درويش” أن الملاّحة بداية سكنه؛ حيث سكن أرض “المَنْزِل”، وهي سكن أهل القرية قديمًا، في الجهة الجنوبية الشرقية من مقبرة الملاّحة الكبيرة (المُعَلّا)؛ حيث تقع مزرعته، وأصبحت فيما بعد محل قبره.

ويضيف أنه بعد فترة قليلة نزح إلى قرية (الجش) المجاورة من جهة الغرب، وسكن بها مع عائلته.

ويرجح سبب هجرته من قريته إلى الغارات المتتالية على نواحي الأحساء، عام ۱۲۰۲هـ، والذي يقوي هذا الاحتمال، أنّ اسمه في إحدى الوثائق الأحسائية المؤرخة بـ ۱۲۰۱هـ، وأنّ تاريخ وفاته المذكور على لوح قبره عام ۱۲۰۷هـ، مؤكدًا أنه لا يُعرف عنه إلا الشيء القليل.

نسب
يقول سماحة الشيخ أمين في كتابه إن اسم صاحب القبر هو الشيخ لطف الله بن الشيخ علي بن حبيب عيثان.

ويبين أنه استفاد هذا التسلسل النسبي من وثيقتين، كل واحدة تكمل الأخرى، الأولى من الأحساء في قرية التَيْمِية بفريق الخلّ، المؤرخة في العاشر من شهر صفر سنة 1201هـ بإمضائه وشهادته، والاسم فيها هكذا: لطف الله بن الشيخ علي بن عيثان، أما الثانية فمن القطيف في قرية الملاّحة، المؤرخة بيوم الرابع عشر من شهر صفر، سنة 1262هـ بإمضاء وشهادة ولده محمد بن الشيخ لطف الله، بن علي بن حبيب، فالجمع بين الوثيقتين، هو الاسم المتسلسل أعلاه، فالأب ذكر اسم الأسرة (عَيْثَان) والولد اقتصر على اسم الجد الثاني (حبيب).

أسرته
“آل عيثان” أسرة علمية جليلة ذات شأن رفيع، وتعود أصول هذه الأسرة الكريمة إلى بني شيبان من بكر بن وائل، ويعتقد أنّهم من أعقاب آل أبي جمهور أسرة العلامة الشهير الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي، المتوفى سنة 902هـ، أومن بني عمومتهم، هذا ما جاء ذكره في الكتاب على لسان “آل درويش”.

ويشير إلى أن موطن هذه الأسرة من القديم القارة بالأحساء، ومنها نزح العديد منهم في أوائل وأواسط القرن الثالث عشر الهجري، إلى نواحٍ مختلفة كالبصرة والهفوف والحليلة.

وينوه بأنه برز من آل عيثان خلال أكثر من قرنين من الزمن، عدد كبير من كبار رجال العلم والأدب، كان بعضهم من أجلاء علماء الإمامية، وبعضهم من مراجع التقليد، مستدركًا أنه – للأسف الشديد – ضاع أكثر تراث أولئك الأعلام.

أولاده
وفي الحديث عن أولاده، قال “آل درويش” إنه استفاد من بعض الوثائق بأنّ للشيخ لطف الله ولدان وبنتان، بدأهم بمحمد بن الشيخ لطف الله بن الشيخ علي عيثان، وقد ذكر في الوثيقة المؤرخة بيوم الرابع عشر من شهر صفر، سنة 1262هـ، والمتضمنة عقد بيع للنخل المسمى “أم المرابيع”، الواقع بسيحة الملاّحة، بين المدعو محمد علي بن عبد الله، بن حسين، بن محسن آل عبد النبي، من أهل سيهات، والمدعو أحمد بن درويش الملاّحي، ثم علي بن الشيخ لطف الله بن الشيخ علي عيثان، مشيرًا إلى أن اسمه ورد في وثيقة مؤرخة سنة 1279هـ (علي بن الشيخ لطف الله)، مبينًا أن المعروف عن ابنيه أنهما من سكان قرية الجش.

أما بناته، فالأولى فاطمة بنت الشيخ لطف الله بن الشيخ علي عيثان، وهي زوجة مُسَلّم بن محمد بن علي بن مرهون، مستشهدًا بوثيقة جاء فيها: جاء في صحيفة الوسط البحرانية: “أنّ “مرهون” تعود إلى “آل شهاب”؛ الأسرة البحرانية المشهورة الوثيقة موضع الشاهد، هي عقد بيع بين المدعو مسلم بن محمد بن علي بن مرهون بن شهاب الأول، أهل الجش بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية، لبيع بيت في سيهات ملك زوجته فاطمة بنت الشيخ لطف الله، وبحضور شهود منهم عبد الباقي بن أحمد العكري، الحاج علي بن كاظم بن سنبل، حسين بن الحاج محمد بن خواهر، حبيب بن حسن المغاسلة، محمد بن عبد الله بن عبدالباقي العكري، الحاج قاسم بن كبيش، وقد أرخت تلك الرسالة في اليوم العشرين من شهر جمادى الثاني العام 1280هـ – 1863م”.

ويضيف إلى أبنائه فاضلة بنت الشيخ لطف الله بن الشيخ علي عيثان، زوجة صالح بن علي العكري؛ وهو من أسرة بحرانية الأصل، سكنت قرية الجش، وبعد انتقال مُسَلّم بن محمد علي بن مرهون إلى قرية الملاّحة؛ شَيّخَه أهل الجش عليهم ، فكانت له الوجاهة والزعامة.

حياته العلمية
ما هو الدور الإرشادي والتوجيهي الذي قام به في قريتي “الملاّحة والجش”، باعتبارهما مقر سكنه وتردده بينهما في سنوات حياته الأخيرة؟ سؤال أثاره الشيخ أمين وأجاب عنه بقوله: “باعتباري من سكنة الملاّحة، وعلاقتي بألمع المؤرخين في جارتنا (الجش)؛ توصلت إلى ما ذكره الموروث عندنا جميعًا، أنّ من خدماته في (الجش) بناء مغتسل للأموات؛ وهو مغتسل القرية القديم، وفي قرية الملاّحة أوقف مزرعته التي أشرنا لها سابقًا، إلى مقبرة وأوصى أن يدفن فيها، وقد دفن فيها كما أوصى، وكل هذا يفيدنا أنّ له نشاطاً إرشادياً إصلاحياً في هذه المنطقة”.

وفاته ومدفنه
يذكر الشيخ أمين أن المشهور عند كبار السن من المعمرين في قرية الملاّحة، أنّه سكنها وقبره فيها، مضيفًا أن مزرعة الشيخ لطف الله تقع في زاوية المقبرة الجنوبية الشرقية وفيها قبره، وكانت الكتابة الموجودة على قبره واضحة قبل ستين سنة، وقد أفادنا من اطلع عليها بأنّ وفاته سنة 1207هـ.

وبين أنّ اللافتة الموجودة على قبره، يرجع تاريخها لسنة 1431هـ، وطلي القبر القديم بالإسمنت من دون تصرف في بناء القبر، وقال: “من الملفت أنّ مقبرة الملاحة واقعة على تَلّ ترابي ضعيف التربة؛ ولذا يطلق عليها “اليُرْش – بقلب الجيم ياء”، إلا أنّ الشيخ استحسن هذه البقعة التي فيها قبره لقوتها؛ ولذا لم يتغير ولم يندرس كغيره من القبور الموجودة في المقبرة، وأيضاً إنّ اتجاه قبره نحو القبلة مميز بحيث يعتبر من أفضل القبور من هذه الناحية.

وأما بالنسبة للافتة الموجودة على قبره، والمكتوب عليها (قبر المرحوم المبرور السعيد سماحة الشيخ لطف الله، بن علي، بن حبيب القاري الأحسائي، المتوفى في عام 1207هـ؛ فالاسم المذكور بناءً على أقدم وثيقة فيها اسم ولده (محمد)، مضيفًا أن كل التصرفات المذكورة، قام بها الشباب بتوجيه منه شخصياً، للحفاظ على معالم القبر من الاندثار؛ ليبقى ذكرى للأجيال.

الشك في الاسم
الباحث لؤي آل سنبل في بحث خصصه لصاحب القبر، اتفق فيه مع الشيخ آل درويش أنه معروف في مقبرة المعلى، كائن في زاويتها الجنوبية الشرقية، مشيرًا إلى أن اسم صاحب القبر “الشيخ لطف الله” من المشهور في الجش والملاحة، بما لا مجال للشك فيه، منوهًا بأن الشك في بقية الاسم وبقية المعلومات عنه.

وقال “آل سنبل”: “كل ما نعرفه عن هذا الشيخ ما سمعناه من أفواه الرجال، مما لا نستطيع أن نثبته بضرس قاطع، وإنما هي نقولات ليس لها مما يعزز صحتها إلا عدم الطعن في رواتها”.

وأضاف: “نستطيع أن نلخص ذلك في؛ أنه من أصل أحسائي، جاء الجش وسكن بها وتزوج منها، وكان ذا أملاك وقد وقف بعض الوقوف، وكان له نخل قريب من أرض المعلّى فوقفه جزءاً من مقبرة المعلّى، وأوصى أن يدفن بها”.

وأوضح أنه كانت على قبره كتابة فيها اسمه وسنة وفاته إلا أنها تلفت ولم يرها، وقد جدد قبره سنة 1431هـ وكتب عليه: “قبر المرحوم المبرور السعيد سماحة الشيخ لطف الله بن علي بن حبيب القاري الأحسائي، المتوفى في عام 1207هـ”، اعتماداً في هذا التاريخ على نقل بعض من رأى لوح القبر القديم.

وثائق
وبين أن هناك ما يشكك في صحة الاسم والتاريخ المذكورين على هذا اللوح، معللًا ذلك بأنه رأى في بعض الوثائق الخاصة بعائلة آل عبد الباقي، هذا الاسم بضبط آخر.

وذكر ما رآه في تلك الوثائق بتاريخها:1- يشهد بذلك الأقل لطف الله بن أحمد بن محمد ، 14 شعبان 1217 هـ، 2- ممن يشهد بذلك الفقير لربه الغني لطف الله بن أحمد بن محمد بن علي، 13 رجب الأصب 1219 هـ، 3- ممن يشهد بذلك الفقير لربه الغني لطف الله بن أحمد بن محمد بن علي عفي عنه، 18 صفر 1231هـ.
وفسر ملاحظته أن اسم الأب هنا “محمد”، بينما اسم الأب على لوح القبر (علي)، وهذا موجود حتى سنة 1231هـ، بينما أثبت على لوح القبر أن عام وفاته (1207هـ).

وقال: “فإذا كان هذا هو صاحب القبر، فالاسم والتاريخ المذكوران غير دقيقين، ولكن لعله اسم شخص آخر، وربما يبعد هذا الاحتمال لأن اسم “لطف الله” ليس من الأسماء المنتشرة كثيرًا”.

وأشار إلى وجود وثائق لعلها تتعلق بأولاده، منها وثيقة مؤرخة في 7 جمادى الأولى سنة 1245هـ، فيها شهادة لـ “إسماعيل بن لطف الله”، قائلًا عنها: “فهل له علاقة بهذا أم لا؟ الله أعلم”.

وأضاف: “بالاسم نفسه توجد وثيقة مؤرخة بـ 13 ربيع الأول 1231هـ، وورد في وثيقة مؤرخة سنة 1279هـ “علي بن الشيخ لطف الله”، وجاء في وثيقة مؤرخة سنة 6 شعبان 1280هـ، فاضلة بنت الشيخ لطف الله، وحاج محمد بن الشيخ لطف الله.

وتابع: “في وثيقة مؤرخة بتاريخ 1293هـ، متعلقة بـ”عبد الله بن حسن كبيش” وفيها “والدته: فاطمة بنت الشيخ لطف الله”.

وذكر أنه جاء في كتاب “منتظم الدرّين”، للمرحوم الحاج محمد علي التاجر، تحت عنوان “لطف الله الجشي البحراني”: “الفاضل الفقيه الكامل النبيه التقي الأواه، الشيخ لطف الله الجشي البحراني، هو من أهل القرن الثالث عشر، ذكره الشيخ علي بن محمد العريض استطراداً، في صدر رسالته “بلوغ الأمنية في جواب المسائل الجشية” بما نصه: “قد سألني الأخ الوفي والخل الصفي الحاج علي بن الشيخ لطف الله الجشي، أعلى الله مقامه وثبّت على الصراط أقدامه، عن مسائل… إلخ، لم أقف على شيء من أحواله”، واستطرد آل سنبل: “فهل هو هذا المقصود أم غيره؟ الله أعلم ، مع أنه يوجد في عائلة الجشي الشيخ لطف الله الجشي”.

وقال: “ذكر الحاج جواد آل رمضان الأحسائي أنه يوجد في آل “العيثان” رجل بهذا الاسم، وقد هاجر من الأحساء، فهل هو هذا أو غيره؟ الله أعلم”.

وبين أنه في حديث مع الأستاذ الشاعر “باسم العيثان” ذكر المعلومة نفسها، إلا أن معلوماتهم عن هذا الرجل معدومة تقريباً، ويتذكر أنه توجد وثيقة موقعة من “الشيخ لطف الله بن علي العيثان” مؤرخة بـ 1197هـ تقريباً.

وثائق أوردها الشيخ أمين في كتابه

وثائق في بحث آل سنبل


error: المحتوي محمي