في صفوى.. آل حمدان تقضي 20 عاماً لربط علم التداوي بثقافة أهل البيت (ع)

عودت من يرتحل معها في سفر أن تكون المطبب لهم من أبسط الأعراض المرضية بالتداوي بالأعشاب والغذاء الطبيعي والصحي، وعند الوقوع في موقف صعب تكون العضيد الذي يسند بالإرشاد والنصيحة الدينية والتربوية والاجتماعية، كانت تمد يدها البيضاء إلى من تعرف ومن لا تعرف، انطلقت من بيتها إلى أن التحقت باللجنة النسائية بجمعية الصفا.

إنها ابنة صفوى نعيمة آل حمدان، التي ترجلت عن العمل والخدمة في رياض الأطفال بعد أن قادت دفته لمدة تزيد على ثلاثة عقود، حيث عرفت في كل بيت بـ”ماما أم جواد” نظير ما تقدم من دعم تربوي سواء إلى الأسر أو أبنائهم منذ نعومة أظافرهم.

تحدثت “آل حمدان” لـ «القطيف اليوم»، عن تجربتها الشخصية في معترك الحياة الإرشادي أو التطوعي، وكذلك في جانب التداوي بالأعشاب، وكيف استطاعت بعزيمتها إيجاد بصمة اجتماعية تخاطب وتجذب جميع الفئات العمرية من فتيات وسيدات المجتمع، بتغيير نمط الخطاب الديني في المجالس الحسينية.

العمل الاجتماعي
بدأت حديثها عن طفولتها وكيف تشربت قيمة مساعدة الآخرين من أمها “أم جابر”، وهي تجد بيتهم في وسط ديرة صفوى ملتقى الأجاويد من الجيران، إذ كانت والدتها الكفيفة منهل العطاء ومقصد السيدات بتقديم يد العون لمن حولها، وكانت تهب وقتها لتعليم أطفال الحي الصلاة، مع القيام بمهمة القابلة للسيدات لعلاج الأمراض النسائية، لتنقل ذلك العلم لابنتها فاطمة، عوضًا عن معرفتها بمهمة المراخ “التدليك” للسيدات.

وأشارت إلى حالة التآزر الاجتماعي وهي طفلة، في مساعدة الأسر المحتاجة وتأمين كسوة العيد للأيتام والفقراء، مع شراء مستلزماتهم من لجان تطوعية أهلية، إلى أن تأسست اللجنة النسائية بجمعية الصفا الخيرية بصفوى، التي تعددت المهام بها بين دراسة الحالات وتصنيفها، وحصر الاحتياجات وفق عدد أفراد الأسرة.

وأكدت أنه تمت تربية النشء على مساعدة الآخرين بطيب خاطر، ومحاولة إيجاد حالة من الإبداع في العمل الخيري البعيد عن الرتابة، والالتفات إلى نهل قيمته من منهج أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، بالإضافة إلى الالتحاق باللجان التطوعية التابعة لأحد المساجد أو المجالس الحسينية التي توجد حالة من التلاحم والتعايش الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

شغف التعلم
حملت بين عواطفها وفكرها حبًا للعلم وبشغف كبير نحو ضرورة استمرار مسيرتها التعليمية مع أشد الظروف، وهي زوجة منذ بلوغها عمر 14 سنة، ومع مرور الأعوام أصبحت أمًا لـ 3 أبناء و3 بنات، فكانت تجمع بين الأمومة والمنزل، واللجنة النسائية، وكذلك العمل كمربية ثم مديرة للروضة التابعة للجمعية، ومع تشعب هذه المهام، تنازلت عن الدراسة عندما وصلت إلى السنة الثانية في المرحلة الجامعية بالأحساء.

ومع ذلك تقول: “مازالت رغبتي في الدراسة عن بُعد موجودة وبشوق كبير، وفي كل مرة أكون المشجع لدخول إحدى صديقاتي معي الجامعة، ويذهبن هن وأنا لا يكتب الله لي ذلك، إلا أني أجد السعادة في أنهن حققن حلمي الذي أصبو إليه”.

ومن منطلق ذلك، اتجهت “آل حمدان” إلى تأسيس المدرسة الحسينية مع مجموعة من السيدات في عام 1421، يتم فيها تقديم العلوم الدينية التي تنمي الأسس التربوية، سواء كانت لتقديم دورات التكليف الشرعي، أو الدورات الصيفية التي تعزز الجانب الثقافي والاجتماعي للفتيات وتربيتهن وتوجيههن ضمن مفاهيم تلامس احتياجاتهن العمرية.

وأكدت الأثر الذي يجنى من خدمة المؤمنين بلا مقابل والشعور بالسعادة الحقيقية منه، عندما يبطن بالتواضع واستصغاره في نظر صاحبه، مع غياب الأنا واستقرار الإيثار في الذات، حيث تسمو النفس بروح العطاء.

تحديات
واجهت “آل حمدان” عدة تحديات جعلت منها منعطفًا نحو التغيير الإيجابي لها ولمن حولها، كان على رأسها زواجها في المرحلة المتوسطة، مع حبها وتمنيها للدراسة وبلهفة، إلا أنها لم تنثنِ، حيث اتجهت إلى دخول دورات تدريبية وتعليمية، ومع ممارستها دور المربية، ثم مساعدة إدارية، وختامها بإدارة الروضة، اكتسبت الشيء الكثير، والخبرات التي تعززت فيها لحل المشكلات بأساليب تربوية صحيحة.

الأم القدوة
ونتيجة لذلك، غرست هذه القيم في نفوس أبنائها وبناتها من؛ حب مساعدة الآخرين، وحب العلم، إذ نجد بتول تمتلك موهبة الكتابة والإلقاء، وفاطمة تجيد التمثيل في الأعمال الدينية التي تجسد المناسبات الخاصة بأهل البيت، فيما أخذت زهراء التمثيل وتقديم الدورات اتجاهًا نحو التطوير الشخصي، أما أولادها جواد وسجاد وباقر فلا يتوانون في تقديم مساعدة إلى أي شخص قريبًا أو بعيدًا.

وركزت على تعويدهم على بذل الخير، وأن يكونوا قدوة لزرع روح العطاء، والنظر إلى الأمور الآخروية والطمع في زيادتها، والتحلي بالطاقة الإيجابية للأمور، مع الرضا والقناعة والتعلق بالله، لافتةً إلى ضرورة التربية بالحب والصبر، والجلوس مع الأبناء وتوطيد العلاقة معهم بالحوار الهادف.

وحول سؤال: “كيف نما لديكِ حب التداوي بالأعشاب؟” أجابت بقولها: “أخذت ذلك من والدتي التي كانت تداوي أطفال الحي، وتتعرف على كيفية تشخيص الحالة في بدايتها، لذلك لمست أثر الغذاء والأعشاب لعلاج بعض الأمراض في بوادر أعراضها، مع الأخذ بالاستشارة الطبية في حالة تقديمها”.

وبينت أنها عززت ذلك بالبحث والقراءة منذ 20 سنة، حيث جمعت معلومات حول التداوي بالأعشاب وكتبتها في كتاب لم ير النور بعنوان “البصل والعسل والحبة السوداء والثوم”، ربطت فيه علم التداوي بالأعشاب بثقافة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، والرجوع إلى مدلولات الطب النبوي في الوصفات العلاجية للأمراض.

نصيحة
ودعت “آل حمدان” في ختام حديثها؛ الآباء والأمهات إلى ضرورة التقرب من الأبناء، وتوثيق العلاقة بينهم، وخلق البيئة المناسبة المؤثرة، والانخراط في العمل التطوعي الذي يحقق الذات وإثبات الوجود، والسعادة الدائمة من خدمة الآخرين، مع الرجوع إلى حقيقة أننا عباد الله وجعل ثقافة أهل البيت المنبع الصادق لنا في حياتنا، كونهم جامعة لمسيرة الحياة الواضحة والطريق النير.


error: المحتوي محمي