هناك أمور صغيرة قد لا تقيسها بميزانها الصحيح، إذ لا تعرف ماذا يكون صنعها في حياتك من خير كثير، وكم يسلبك منه إذا أهملت عملها.
ولا ننكر أثر تدخّل القلب فيها بقلبها من خير لشر والعكس صحيح، فكل أمر إذا لم يصدر من قلب صادق كان والسراب سواء.
بث اليوم الخامس من المحرم يعود إلى زمن بداية الخلق حين خلق الله آدم من تراب وأمر الملائكة بالسجود له، وكان بينهم من استفز هذا الأمر تكبره رغم كل سنين عبادته وطاعته.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}، الإسراء آية 61.
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، الأعراف آية 12.
لم يعلم إبليس بنزعته الشيطانية الحاقدة على من تم تفضيله عليه، إن عدم احترام واحد لتنفيذ التكليف الذي أمر به المعبود قد يكلفه الكثير ويكون أولها الطرد من جنان رحمته.
كان يكفيه السجود والانصياع لأمر الجليل والتسليم له تمام التسليم، ولأنه لا يضيع عمل عامل فعبادة سبعة آلاف سنة كان فيها تنفيذ لطلب إبليس لإبقائه ليوم القيامة ليغري ذرية آدم ويكون هو صوت الامتحان الذي يرسب من يستجيب له.
{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}، الإسراء.
ولكن هناك صوت آخر يهمس بلطف في الأرواح فيجعلها تخضع احترامًا لمن هم أهل الاحترام حتى لو سمعوا منهم عبارة “ثكلتك أمك” فيكون الرد: “والله لو غيرك من العرب قالها لي لما تركت ذكر أمه بالثكل كائنًا من كان، ولكن ليس لنا إلى ذكر أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه لأن أمك فاطمة بنت محمد (ص)”.
هذا الاحترام لمقام سيدة النساء وبنت خاتم الأنبياء كان الصوت الحنون الذي جاء ليجيب عن حيرته بين طريقين ليقول إني والله أخير نفسى بين الجنة والنار، فوالله لا اختار على الجنة شيئًا، ولو قطعت وحرقت.
احترام لأم الحسين (ع) قاد الحر لنيل وسام الحرية بطلة العرض وإعلان التوبة بها أمام أقدام الحسين وتقديم الروح له هدية عوضًا عن ذنب الجعجعة بالطريق وترويع نساء الرسالة والتي أدت للوصول إلى أرض الكرب والبلاء، فمع الحرية لا شيء يقيد الروح عن طاعة محبوبها حتى لو كانت بها يشرب كأس المنية.
هدية الحرية كانت غالية ونال صاحبها أوسمة الخلود إلى يومنا هذا، والكل يتمنى توبة مثل توبة الحر نقلته من النار للجنة بآخر اللحظات وجعلت الحسين يشد جرح الذنب بعصابة من عنده لا يخرج منها السوء أبدًا.
لوحة ختام البث كانت لأولئك الذين يحترمون زمن المصيبة لمحبوب السماء ليرتدوا له ما يليق بمصابه واحترام فاجعة أخته به بالصون والستر أكثر، ولا أشك أنها ستوصلهم يومًا لخط الدوام على ذلك ما دام القلب ينبض لحسينهم، ليكونوا فعلًا أحرارًا لا تقيدهم عادة أو عُرف اجتماعي غير الالتزام بمجتمع حسيني زينبي.
فقط مجرد احترام يوصلك لما تريد صدقني والأيام تثبت لك ذلك.