بالجرأة والصبر والحكمة.. يحاربُ الفساد

التغيير ليس فعلاً آلياً، يتم عبر كبسة زر، أو مجرد صدور أمر حكومي. هو سيرورة تاريخية، وعمل متراكم، وتجارب تتم بشكل مستمر، تثخن بالمسرات والأتراح. وهو أمر سيكون على الجميع المساهمة فيه، ودفع ضريبته، وليس الاكتفاء بالتفرج، وكأن الأمر يشبه انتظار هدية مجزاة من السماء!.

الانتظار صعب، والمجتمعات بطبيعتها لا تحب الصبر، ولا تحبذ دفع كلفة الإصلاح، رغم مطالبتها به، ورغبتها فيه.

في نقاشات كثيرة مع الأصدقاء، دائماً ما أقول لهم: إن قطار الإصلاح في المملكة يسير نحو وجهته الصحيحة، وإن هذه المسيرة سيكون فيها الكثير من العناء والجهد، وتحتاج إلى روية وفطنة، وكبح لجماح الغرائز التي تريد لهذا القطار أن يطير فجأة!.

ما أعتقده أن التغيير الحقيقي سيبدأ الجميع بلمس نتائجه الفعلية لدى الجيل الجديد، وهو ما يحتاج مسيرة 20 عاماً، هي سنوات ثقال في نظر كثر، لكنها كلمح البصر في عمر الأمم والحضارات.

من أهم العلائم على أن قاطرة الإصلاح تتجه نحو التغيير المتجذر وليس الصوري، التركيز على ملف “مكافحة الفساد”، وهو ملف صعب، معقد، تتداخل فيه المصالح، وتتدافع القوى، وهو أشبه بـ”صراع الفيلة”!.

حديث الرئيس الجديد للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مازن الكهموس، الذي نقلته قناة “العربية”، كان واضحاً في أن القيادة السياسية السعودية تريد أن تخلق بيئة منافسة وعملاً صحياً، يكون فيها الفساد في حدوده الدنيا، ويتم فيها الأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص، والمنافسة المشروعة، والجودة في الأداء والمخرجات، بعيداً عن المحسوبيات والاعتبارات المنفعية القائمة على العلاقات الشخصية، أو العصبيات القبلية والمناطقية والطائفية.

“وجهني ولي العهد بتغيير منظومة عمل الهيئة والقضاء على الإجراءات البيروقراطية السابقة”، يقول الكهموس، في حديث صريح عن هيئته، وما عانته من مشكلات.

صراحة رئيس الهيئة ذات دلالة، على أن التغيير سيكون من ذات المؤسسة، وسيبدأ من خلالها، وفيها إشارة وعمل بمبدأ “الشفافية”، الذي دونه لا يمكن التغلب على الفساد.

الفساد لا يتعلق بتلقي الرشى، أو السرقة المادية وحسب، بل يتعداه لسوء استخدام السلطة، والتعسف فيها، ومنع المواطنين من الحصول على فرص العمل، أو التمييز بينهم بشكل غير قانوني، وجميعها ممارسات على الهيئة أن تعمل للحد منها، ومواجهتها بقوة وصراحة. خصوصاً أن رئيسها مازن الكهموس، وعد بأنه سيسعى لـ”يأخذ كل مواطن سعودي حقه المشروع سواء في تقديم المشاريع الحكومية أو المنافسة عليها”، وهو وعد سيراقب المواطنون تنفيذه على أرض الواقع.

هنالك كثير من المشكلات تحدث لأسباب تتعلق بسوء استغلال السلطة، وتخلق رأي عام متذمراً أو صورة سلبية عن الأداء الحكومي، ويعتقد البعض أنها سياسة مقصودة. فيما كثير من هذه التصرفات السلبية أساسها العصبيات المبنية على الانتماء لـ”الهويات الضيقة”، لا “الهوية الوطنية” الجامعة. وهو ملف سيكون على الهيئة أن تضعه في مقدمة اهتماماتها.

المصدر: صحيفة الرياض


error: المحتوي محمي