قصة أسرة هندية جاءت من وسط الهند الفقير إلى مدينة مومباي (اسمها بومباي سابقا) بحثا عن لقمة العيش. لم يكن بإمكانها السكن في مومباي نظرا لأسعارها الباهظة، فوجدت في ضواحي المدينة التي تبعد خمسين كيلومترا عن وسطها، حيا كبيرا من بيوت الصفيح يسكنه أمثالهم من الفقراء والمساكين. يمر وسط هذا الحي قناة مفتوحة لتصريف مجاري المدينة، تنبعث منها روائح كريهة ويعشعش فيها البعوض والحشرات. يحيط بالمنطقة تلال مرتفعة تبدو كأنها رملية وما أن تمعن النظر فيها حتى تكتشف أنها تلال قمامة تم تغطيتها بقليل من الرمل. أما البيوت فقد بنيت من الصفيح بطريقة عشوائية، تتخللها طرق ضيقة لا يتعدى عرضها مترين أو ثلاثة أمتار.
يوجد في الحي مدرسة بناها فاعل خير تزدحم بالطلاب والطالبات على فترتين صباحية ومسائية، وعيادة خيرية لا تتعدى مساحتها ثلاثين مترا مربعا توجد فيها عيادة الطب العام في الدور الأرضي بينما توجد عيادة الأسنان في الدور الأول.
بنى الأب والأم بيت صفيح لهم ضمن هذا الحي في مساحة إجمالية قدرها عشرون مترا مربعا، يفتح باب الشارع على غرفة هي كل البيت ما عدا دورة مياه بدائية ومكان صغير للطبخ في آخرها. وفيها سلم حديدي يصعد إلى مكان صغير في الأعلى ينام فيه الأب والأم.
بعد فترة وجد الأب وظيفة كعامل بناء، أما الأم فقد وجدت فرصة عمل كممرضة في العيادة الخيرية بأجر زهيد. وهكذا عاشت الأسرة في هذا الحي ورزقوا ثلاثة أولاد درسوا في مدرسة الحي الخيرية مع أبناء جلدتهم. لم ينج الأطفال من مرض الملاريا وغيره لولا أن الأم استفادت من خبرتها ومن عيادة الحي لعلاجهم.
ترعرع الأبناء حتى بلغوا سن الرشد فهم الآن في المرحلة الثانوية، وكانت رسالة الأب والأم أن يبلغ الأولاد منيتهم ويحققوا طموحهم بأي ثمن كان. وذات يوم جلست الأسرة في تلك الغرفة الصغيرة من الصفيح على وجبة صغيرة من الأرز، ترفرف عليهم أجنحة الرضا والقناعة، ولكن قلوبهم تحلق فوق السحاب.
سأل الأب أبناءه عن طموحهم في الحياة، وقال ماذا تريدون أن تحققوا خلال العشر سنوات القادمة؟ نظر الأبن الأكبر في عيون والده ووالدته وهو يقرأ حياة نضال وتعب أمتدت لخمسين عامًا، ثم نظر في عيون أخويه الشابحين نحوه وكأنهم ينتظرون أن يفتح لهم أبواب الدنيا المحكمة الإغلاق. بعد تفكر بسيط قال الأبن الأكبر: أريد أن أكون طبيبا ماهرا، وأن أحصل على جائزة نوبل خلال العشر سنوات القادمة.
التفت الأب إلى ابنه الأوسط وقال وأنت يا عزيزي؟ نظر الأبن إلى الجميع وكأنه يقول لن أكون أقل طموحا، وقال: سأكون رئيس أكبر شركة عالمية في تقنية المعلومات.
نظر الأب إلى الابن الأصغر وكان ينتظر بفارغ الصبر أن يكسر حاجز الصمت، فقال وهو ينظر إلى أخويه: سأكون مديرا لأكبر محفظة مالية في أسواق لندن للاستثمار.
تنفس الأب والأم الصعداء وكأن جبل قبيس قد أزيح عن قلبيهما، وقالا بصوت واحد: لا تلتفتوا إلى الوراء أبدا، حلقوا فوق السحاب فلن نرضى بأقل من طموحكم. نعم، ستحققون ما ذكرتم بل وأكثر من ذلك.
حين تقرأ هذه السطور قد تظن أن كاتبها يستغرق في أحلامه الوردية، ولكن انظر إلى قائمة الهنود الذين ولدوا فقراء ثم حصلوا باستحقاق على جوائز نوبل وآخرين أصبحوا رؤساء شركات كشركة جوجل ومايكروسوفت وغيرهم، أو مدراء لصناديق مالية عالمية.
أمّا كيف حقّق هؤلاء الهنود طموحهم؛ فتلك قصص معاناة وكدح متواصل وعمل جاد وسبح طويل يستطيع كل منا أن يقرأه في تاريخهم.
ولنا في قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) القرآنية عبرة، فتلك حقيقة لا شك فيها. فتى قضي خلف قضبان السجن سنينا طويلة ولكنها لم تفت في عزمه وطموحه بل قال لعزيز مصر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، لم يقل اجعلني موظفا، بل قال: إني حفيظ (أشد درجات الأمانة)، عليم (أعلى درجات الكفاءة)، وأستحق أن أكون وزيرك الأول والمسؤول عن الاقتصاد والموارد الطبيعية في مصر. أصبح يوسف بعد السجن وزيرا، فأنجز ما وعد ونشر العدل وعمّ الرفاه رغم الجفاف وقلة الموارد.
سنة التاريخ يا أبنائنا وبناتنا هي أن: الطموح حبر لا ينفد والإرادة قلم لا ينكسر فلنمسك بقلم الإرادة ولنسطر بحبر الطموح إنجازنا في كتاب لحياة.