ذات حزن

بداية أنحني لأقبل أرض القطيف الموجوعة الحزينة وأقول: بوركت أحزانك في هذه الأيام الحسينية الطاهرة، كان للمساء أكثر من وجه حين أردت الكتابة عن الحزن النبيل لحسين الشهيد “عليه السلام”، وكأنني أصافح روحه الزكية فذابت يدي في لحظة صدق، وأنا أقف بين ثنايا ذكرى استشهاد الحسين حيث لذكرى استشهاده حزن كبير في نفسي وكل النفوس العاشقة لحسين الشهيد، إنه يملأني احتقانا ويدفعني للكتابة أكثر، بل أنتم أيها الكتاب أصحاب الأقلام النزيهة من يحرض قلمي لنثر مشاعري على هذا البياض.

نجوم الليل تجلد الذاكرة بألف سؤال وسؤال، ولا ثمة إجابة سوى الدمع ينزوي في القلب جرحا وذكرى تلهب الروح بسياط الوجع، تاركة خلفي الآهات والدموع من اجل الحسين”عليه السلام”، وصمتي الشامخ وأنا في دهشة الأحزان وفي شهر الحسين أسأل: هل تساقط الحزن في قلبي؟ قد أجازف حينما أود منازلة قلبي على أرض يؤثثها الوفاء الحسيني وتزينها المشاعر الصادقة، بيد أن احتمال المجازفة يزداد عندما يكون كل الحسينيين هم الأكثر حزنا، أستطيع أن أقدم جوابا جاهزا عن هذا السؤال فأقول: إنني أحترم كل دمعة حزن تسقط وجعا لحسين الكرامة لحسين العز ولحسين الشهيد، وهنا شعرت أن لحظة الحزن تمتزج بموسم الوفاء.

الحزن.. كم هي مستهلكة هذه المفردة ولكنها ما زالت مخلدة في أعماق الفطرة الإنسانية. عندما يعجز القلب عن مواكبة الحزن بكل أشكاله، حينها نختار العيش في ظلال الحزن ونعتبره شيئا صحيا ينبغي أن نحافظ عليه من الاندثار، وهكذا وجد الإحساس ليقال في مناسبات خاصة والذي يجب التحدث فيه. لا أخفيك يا إمامي يا حسين أبكيك حزنا هامسة وبصوت خجول وخفي إجلالا، ولكن كما تقول العرب: الأسد يبقى أسدا حتى لو كان خلف القضبان! لكننا نحن الحسينيون كالأسماك نموت إذا لم نغرق بماء حب الحسين، ما أكثر الحكايات الحسينية التي تنتظر المفردات لحفظها في ذاكرة الزمن. ولكن ألا يمكن للحزن أن يفارق القلب يوما؟ هذا ما شعرت.. إن لحظة الحزن تختلط بموسم الفرح.

ذات يوم سألتني سيدة سؤالا حرك الماء الراكد في بحيرة ذهولي ودهشتي حيرني فعلا وهو: لماذا لا أوقف مسلسل الكتابات الحزينة؟! لكن تلك السيدة لم تنتظر الإجابة مني، فقالت مجيبة عن سؤالها: ألا يعني ذلك أن بعض البشر يعلم أن من حق القبح كراهية الجمال! هنا أعترف صادقة: منذ أيام وأنا بين حزن روحي وقهر ذاتي، مدركة أن قلبي لا يطيق رؤية عصفور مكسور الجناح ولكن لا يزال الغد يتسع للكثير من الفرح.

قد يسألني البعض عن عشق الحسين، فأرد قائلة بلا تردد: هذا من فضل ربي يرزق من يشاء بغير حساب. سأفضي لكم بسر اعتزمت كشفه يا سيدي يا مولاي: يقال إن العشق يعني الإفراط في حب المرء لغيره! وتأسيسا على هذا التعريف فأنا أفخر باعترافي في شهر الحسين بأن عشقي الحسيني وحزني الشديد لفاجعة مقتله هما السبب لعشقي للحزن ولي ما يبرر ذلك يا سيدي ومولاي! يبرره وصولي كهف العمر بزاد زهيد من عمري الطويل ببعض الهفوات! وأخشى ما أخشاه إنني عشت عمري كله من أجل مترين من القماش فقط! لذا فقد فرض علي العشق الحسيني إن استنجد بكم سيدي ومولاي ممن أتوسم فيكم صفات أهل الجنة لتمسحوا عثراتي، فحزمت أمري أن أكون في دنيتي هذه على خير معكم سيدي يا حسين، لعلكم تشفعون لي أمام الله ورسوله.

وأخيرًا دعونا نتنفس حزن عاشوراء كي نبقى على قيد الحسين “عليه السلام”.


error: المحتوي محمي