دعوة خاصة

أن تملكَ أحاسيسكَ فلا عجب أنتَ تتصرف فيها، لكن متى ما ملكتكَ الأحاسيسُ أصبحتَ أسيراً لها، هي تُريد أن ترميك مثل من يركب خيلاً شموس، وأنتَ تريد أن توقفها دون جدوى! مهما اختلف فكرُ الإنسان وعقله تبقى أحاسيسه عالميةً عابرةً لحدودِ الجنس والدين واللون فلا معنى للضحك سواه ولا معنى للبكاء سواه. أعظم المصائب هي التي لا يُخصبها خيالُ الإنسان وأبهج الحالاتِ هي التي لا تُنصفها الأقلام. وبين هاتينِ النهايتين من الألم والبهجة تخرج انفعالاتُ الإنسانِ ومشاعرهُ عن إطارِ الزمان والمكان، بالتالي إليك هذه الدعوة:

دعوةً خاصةً لحضورِ حفلٍ في ١٠ محرم سنة ٦١ هجرية! مضى أكثر من أربعةَ عشرَ قرناً على هذا التاريخ، لذا فإن تأخُّر هذه الدعوة كثيراً عن الحدث يُشَّرِع السؤال: هل حضرنا هذه المناسبة أنا وأنتَ أرواحاً قبل أن نولد والآن نحضرها أجساداً وأرواحاً؟ في هذا التاريخ مآسٍ أنبتت أفراحاً وجراحاتٍ ولدت انتصارات. إذ لابد لكل شعورٍ أن يكونَ له مغزى، فإن تر من يضحك تسأل: لم يضحك؟ وإن تر من يبكي تسأل لم يبككِ؟ في الحقيقةِ كل من يبكي هو يعاني للوصولِ إلى حالةٍ من السرورِ فالبكاء شعورٌ ليس له رب! ألا ترى كيف تبكي المرأةُ الحبلى حين يأتيها المخاضُ حتى تلد ثم تفرح، والطفلُ يبكي حتى يحصلَ على ما يريد، والمريضُ يبكي من الألمِ طلباً للعافية.

هذه دعوةٌ لك أن تأتي وإن لم تستطع هذه السنة احتفظَ بالدعوةِ للسنةِ القادمة، سوف يكون هناك إعادة للحدث. ليس بالضرورة أن تألمَ حينما تحضر إلا بما يكون الألمُ دافعاً للعملِ والفكرِ والجد كيف نقضي على المآسي التي هي من صنعِ الإنسان!

دعوة خاصة لكم و لأهلكم، لا تترددوا تأكدوا من الحضور، عريفُ الحفلِ لا يرضى الغيابْ. الجمهور محدود احجزوا المقاعد، لا تخطئوا الزمانَ والمكانْ. الزمانُ هو العاشر من شهرِ محرم والمكان حيثُ أنتم. عريفُ الحفلِ مولانا الحسين، مخرجةُ الحفل أم الشهيد. شهيدنا فيه ملامحُ والده الرسول، فيه صفاتُ المرتضى والبتول. لم يبلغ الحلم، لكن تقرر الفرح، لن يحضرَ العباسُ أو علي، كلهم صرعى وعذرهم جلي.

أحضروا الدواةَ والقرطاسَ والقلم، لن تكتبوا العقدَ ولكنكم شهود. النساءُ: غردن واضربن الدفوف. لا تحضرن الزينةَ والخضاب. دمُ نحرهِ عندما يفور يكفي للحضور، أن يصبغن شعورهن أن يدهن وجوههن، أن يحمرن شفاههن ويأخذنه للنذور. أحضرن القباءَ والعمامةَ والعباءة، صحيحٌ أنه بهي لكنه واجب الزواج.

يخرج العريسُ بعدها في لحظات، يحسده الناظرُ في تم الصفات. تكاثر الجمعُ على عريسنا ونحن قلة، لم نستطع حمايةَ العرس ولا المحتفلين. أصابوا رأسَهُ واطمأنوا رأسُه أصيب، من يخبر أمَّهُ عما جرى لابنها؟ من يكون طيرَ الشؤم يأتي بالخبر الحزين؟ سيحمل الحسينُ جثمانه مسرعاً للخيام، مثقلاً بالحزنِ شامتةٌ فيه جموعُ اللئام.

تجمعُ زينبُ النساءَ في الخباء، تطلب منهنَ أن يسعفنَ أمه بالبكاء، هللي يا أمَّ الشهيد، كبري وأكثري من البكاء. أنتم الحضورُ: عودوا فالحفلُ أُلغي وضاع كلُّ الجهد والعناء. يمكنكم أن تحتفظو بالدعوةِ في الذاكرة، كلكم تحضرونَ العرسَ غداً في الآخرة. كلكم “نعم” ، حينها لن يقتلْ الشهيدْ. ستفرح الزهراءُ والعذراءُ والأنبياء، سيحضر العباس ويسقي الحفلَ من جودهِ، يمينهُ حاضرةٌ والشمال.

ليكن لألمنا مهما سقتهُ هاطلاتُ الدموع القدرة أن يجعلنا أقوياءَ منتصبينَ وخطوةً في البحثِ عن الفرح والحياة الكريمة، نسأل بعد الحدث ماذا بعد؟ وإلا لم يكن إلا موسم الورود التي تورق في الربيعِ ويأتي الصيفُ لتموتَ وتذهب نضارتها.


error: المحتوي محمي