القيادات الإدارية وفن التثبيط

مثلما هناك قواعد لجعل بيئة العمل إيجابية ومحفزة على الإبداع، فهناك أيضًا قواعد لجعلها سيئة تمامًا ومثبطة لكل موظف، يمكن اعتبار طبقة الإدارة العليا هي أكثر الطبقات حساسية وتأثيرًا على بيئة العمل.

وحينما لا تملك هذه الإدارة المستوى العلمي والمهاري الكافي، وتتخلق بالإضافة إلى ذلك بالفظاظة والتعالي وسوء المعاملة، فإنها في الغالب توفر أسبابًا منطقية لتوتر بيئة العمل وتحويلها إلى بيئة رديئة وخانقة، هكذا تؤثر هذه الطبقة على جميع الطبقات الإدارية التي تتبعها، ليتحول جميع هؤلاء إلى نسخ متكررة منها، يمارسون تمامًا ما تمارسه من امتهان وسوء أدب وتثبيط على الموظفين الذين يتبعونهم، ما يجعل هؤلاء الموظفين يومًا بعد آخر يشعرون أنهم يعيشون في بيئة تقترب إلى الجحيم وحياة البؤس منها إلى البيئة المعتدلة والهانئة.

أحد أهم أساليب الإيذاء والهدم التي لها دور فعَّال في سوء بيئة العمل هي تسليط من لا أهلية له بالإدارة من الناحية العلمية والمهارية على من هم أكثر مهارة وكفاءة منه، مشاعر الدونية التي يشعر بها المدير –حينذاك- تجعله من حيث لا يشعر مستبدًا برأيه، متعاليا على غيره، ويملك مستوى عاليا من القدرة والمبادرة على تثبيط أي طاقة إبداعية تسول لها نفسها الابتكار والإبداع.

أما منح التدريب لمن يستحقه فإنه في الغالب لا يشعر بضرورته ولا يبادر إليه، لذا فإنَّ الموظف الذي لديه الاستعداد للتعلم والإبداع يبقى موظفًا جامدًا لا قيمة له، لأنه وبإرادة هذا المدير لم يلقَ المستوى المطلوب من التدريب فبقي كما هو طاقة جامدة مركونة في إحدى الزوايا، يُضاف إلى ذلك كله زرع نزعة الفرقة بين الموظفين بحيث ينشغلون بخلافاتهم الجانبية عن مصلحة المنظمة.

ويبقى الجزء الأكثر إيذاءً لهم هو الإفراط في محاسبتهم على ساعات العمل عوضًا عن محاسبتهم على الإنجازات، ما يولد لديهم شعورًا أنَّ تحقيق أي إنجاز ليس له قيمة مميزة، وأنَّ الالتزام بالحضور والانصراف في وقتهما المحدد يكفي دون غيره لتحقيق رضا المدير، وحينها ينتفي تمامًا حافز الإبداع ويحل محله الكسل والتسكع على مكاتب الزملاء في أوقات الفراغ دون التفكير ولو للحظة في الاستفادة من ذلك الوقت لتحقيق ما يمكن أن يشكل إضافة نوعية إلى الشركة في نشاطها وأعمالها.

أهمية الحديث في طرق إحباط الموظفين تنبع من وجود شرائح من القيادات الإدارية، لا تدرك أنَّ ما تفعله من سلوكيات إدارية قد تكون السبب الأكثر أهمية في إفساد المنظمة وتقليل الإنتاج، الأمر الذي يجعل هذه القيادات مُلزمة قسرًا بتغيير طباعها، أما دون ذلك فستبقى هي بذاتها العناصر التي باستئصالها من المنظمات يتم تصحيح بيئة العمل والارتقاء بأداء الموظفين إلى درجاتٍ أعلى.

سراج أبو السعود
صحيفة آراء سعودية


error: المحتوي محمي