النقد رؤية عكازها العلم

أسقط رؤياك على النص، متسلحًا بما تمتلكه من ثقافة، أو خبرات، اكتسبتها من خلال سعيك في تكوين مائدة ثقافية جزلة اللفظ والمعنى.

في هذه الكلمات، نسعى إلى مناقشة ما سطره أستاذنا السيد موسى الخضراوي في مقال، جاء بعنوان: “النقد عِلمٌ أم رؤية؟!’، الذي نشر في صحيفة «القطيف اليوم».

طبيعي جدًا، أن يأتي من ديمومة النقد، أن يكون نقدًا موضوعيًا، مبتعدًا عن النزوات الشخصية، التي تفرضها العلاقة بين الناقد، والكاتب أو الشاعر، بالعموم “صاحب المنجز”.

إن الناقد يتعامل مع منجز يسكن أمام عينيه، يتشربه بين ذراعيه، متعمقًا فيه، وهذا من -الضرورة بمكان- أن يشيد بمنجز ما، تحت ذريعة التحفيز، للكتاب، والشعراء المبتدئين، على العكس أن تناول هذا النوع من الكتابة، ووضعها باتجاه النقد، ليبين الأخير لها نقاط الضعف والقوة، يوضح آلية هذا الفن من سواه، وما يترتب عليه، وكيف له أن يسير، النتيجة القرائية، التي توصل إليها.

جاء في -النقد عِلمٌ أم رؤية؟!-: “إن كنت من المهتمين بالنقد، والعارفين بأصوله وأبجدياته، فلا بأس بأن تطرح رأيك في تقييم الآخرين ما دامت منطلقاتك سديدة وتطلعاتك بنائية وتطويرية، وإن كنت غير مدرك لأبعاد ذلك فلا تهرف بما لا تعرف وأعط القوس باريها، أما أن تؤله قزمًا أو تسقط هرمًا – بلا مبرر – فأمر معيب ينبغي تجنبه”.

إن المجاملة على حساب الذائقة الأدبية، أو المنجز، مجاملة لا تمنحنا الأجيال القادمة، الصفح، حين نقف باتجاه الطريق، لنمدح المنجز، الذي يفتقد -على أقل تقدير- الأسس والقواعد المنطقية فيه، وإن تعداها، فإنه يحق للناقد أن يدلي برؤياه النقدية، وليس من حق هذا أو ذاك، أن يُملي على الناقد ما يكتب، أو وصفه بأنه يهرف بما لا يعرف، فإن كان نقده لا يروق لهذا أو ذاك، يظل بالنتيجة، أنها رؤياه، طالما لم يُسئ لليراع أو صاحبه، إذًا، هو في واحته، يغني، وكل يغني على ليلاه، وليلاه هنا رؤيته النقدية.

وجاء فيه أيضًا: “حين يكون الناقد بين الناس جاهلًا أو ظالمًا تضيع الحركة الأدبية وتضيع مكتسباتها، وكذلك الحال حين يكون الناقد مفلسًا من أبجديات النقد”، و”النقد علمٌ مستقل ومتكامل له أصوله وأدواته الخاصة كما أن له مختصين به، أما الانطباع الشخصي فهو رؤية ذاتية ليس إلا”.

نعم، النقد علم، له أسسه وقواعده، مشاربه المختلفة، مصطلحاته وتعريفاته، إلى آخر القائمة، ومعيب جدًا توصيف ما يُكتب من النقد، أكان نقدًا مضمونه، يُشتهى هنا، ولا يُشتهى هناك، يسمى مجمله نقدًا انطباعيًا، شخصيًا، وجعله رؤية ذاتية، ليس إلا، هنا، يبدو أن ثمة البصر، تشوبه ضبابية، المرآة غير واضحة، حيث إن المقال، دمج الانطباع الشخصي، بالرؤية، كأنهما توأمان خرجا من بطن واحدة، متشابهان في الرسم -المظهر- ولم يعرف بأن المضمون مختلفًا، ما بين الانطباع الشخصي والرؤية، بكون الرؤية أشمل اتساعًا عرضًا وطولًا من الأولى -الانطباع الشخصي- لا أعلم حقيقة، إلى أين وصلنا، لنبتعد عن مناقشة الأفكار، إلى محاسبتها، لأنها فكرت، وأبدت رؤاها، وإن كانت لم تقرأ كتابًا نقديًا يومًا ما، وإن لم تتعلم المصطلحات النقدية على مقاعد الدراسة، أليس من حق القارئ أن يطرح رأيه، لما يقرأ، وتسقط عيناه عليه، بدون تسقيط يراع، أو الإساءة، أو الاستنقاص من أحد.

في كل المجتمعات، النقاد، علاقتهم بأصحاب اليراع، تبدو جافة إلا ما ندر، مع العلم أن النقد يطور من المنجز، النقد الإيجابي، لا السلبي، ولكن ينبغي معرفة أن هذا النقد، يعد نقدًا إيجابيًا، لا سلبيًا، ضمن ثقافة نقدية، لا أهواء نفسية، بحيث إذا تناول الناقد نصًا لهذا اليراع، أصدر قراره بأنه سلبي، بكونه لم يعجبه النقد، ولو أعجبه، جعله محفوفًا بالإطراء.

حقًا، نحن اليوم لسنا في أزمة عدم وجود كاتب، يبدي نقدًا، ولكن في أزمة عدم تقبل النقد والناقد، إلا إذا أطربنا مدحًا، ومثالية، وقوله لنا: “أنت مبدع يا سلام برافو عليك”، والنص، ركيك وضعيف، أهكذا نتطور؟ سؤال بين يدي القارئ.


error: المحتوي محمي