يسأم الكثير في غرف الانتظار لذلك ترى هناك من يكثر التأفف أو النظر لساعته أو هاتفه ليرى كم مضى من الوقت وكم بقى ليأتي الموعد.
بث اليوم الثاني من المحرم ليس به انتظار لأنه سيرجع إلى تاريخ زمني مصادف لتاريخ السابع والعشرين من شهر رجب سنة 60 هجرية، وبمسجد رسول الله (ص) بالمدينة سيكون موقع العرض.
رجل نوراني تتكسر الكلمات معه من غصة حلقه، قد ضاقت الدنيا عليه واسودت حين قرر الرحيل عن وطن جده الذي احتضن أيام طفولته وصِباه مع جده وأمه قبل أن يغادر مع أبيه للكوفة ثم يعود لها، لكن عودته غدت منغصة لتجعله يتمرغ على قبر جده وهو يناديه:
ضُمني عندك يا جداه في هذا الضريح
علني من بلوى زماني أستريح
ضاق بي يا جد من فرط الأسى كل فسيح
فعسى طود الأسى يندك بين الدكتين
أمان الجد العظيم دعاه ليرحل ويترك الديار قفرى من وجوده لأنه قد اشتاقت الأنور إلى نوره ليكمل شمل الخمسة الذي كان الحسين هو من ينقص اجتماعهم كما كان تحت الكساء اليماني.
الرحيل من الوطن وديار الأجداد والآباء به من الألم الموجع للروح قبل القلب ما لا يعلمه إلا الله، وأيضًا من جرب ذاك الرحيل هضمًا وإجبارًا يعرف كم ذاك الألم عظيم.
لكن مع فصل الرحيل لا بد من وجود فرد يبقى ولا يرحل مع الراحلين لأن لديه دورًا فاعلًا في فصل من فصول الانتظار الذي لا يحتمله الكثير فيسجل اسمه مع المنتظرين لا الراحلين.
فقوة التحمل قد تكون في أوجها لدى الفرد السليم، ولكن هل جربت تحملك وأنت مريض أو مشتاق أو كنت تحمل اسم فاطمة؟
لا أعلم كيف أصيغ المشاعر وأصفها حين أكون ببث عرض فاطمة العليلة ورزية ترك أبيها الحسين لها رغم علتها لتكون مع فاطمة أخرى تُدعى فاطمة الكلابية أم البنين يتشاركون سويًا ابتلاع جمرة الشوق ويكون باب الانتظار هو بطل العرض، حيث عيناهما وعيون عدسات البث ترتقب موعد فتحه بعد طول انتظار يدوم مع كل غصصه لأشهر سبع تُفضي بالنهاية لاستقبال حرم وأيتام فقط ينادون:
مدينة جدنا لا تستقبلينا
فبالحسرات والأحزان جينا
ولا يزال البث الحسيني يستقبل من يجلس بمقاعد المنتظرين الذين ينتظرون عودة حُسينهم من سفره.