تلقيت العام الماضي في أيام عاشوراء من أحد الأخوة الزملاء مقطع فيديو يحاكي تفاحة طازجة خضراء اللون، انتشر على سطحها “قشرتها” بقع بنية، كانت ضمن الوجبات التي توزع في المضائف الحسينية.
وأراد الاستفسار عن ماهية تلك البقع خوفاً أن تكون بقايا مبيدات حشرية.
• بحكم الاختصاص؛ نبدأ أولاً بملصق العلامة التجارية الموجود على الثمرة، والذي يشير إلى أن التفاح مستورد من إيطاليا، والدارج اتباعه في مثل هذه النوعية من الثمار قبل تعبئتها في الصناديق أو الكراتين أن تشمع بطبقة رقيقة من الشمع قبل الشحن والتصدير لتحافظ الثمار على خصائصها الجيدة لفترة طويلة إلى أن تصل للمستهلك “طازجة”.
• الطبقة الشمعية إذا كانت من مصدر طبيعي فهي غير مضرة وصالحة للأكل ويمكن التخلص منها قبل الأكل مباشرة عن طريق الفرك بفرشاة ناعمة وصابون وماء دافئ.
• الطبقة الشمعية جزء من آلية تخزين التفاح على المستوى التجاري لحماية الثمرة من الفساد والتلف والعفن لأطول فترة ممكنة قد تصل إلى (٨ – ٩) أشهر ويخزن في درجة حرارة منخفضة “حوالي ٢°م”
ويتم في هذه الحالة حفظ مستوى الأكسجين، ورفع محتوى ثاني أكسيد الكربون في المستودعات التي تحفظ فيها كراتين التفاح.
أما في المنزل فيمكن حفظ التفاح في الثلاجة لمدة شهر وقد تصل إلى أكثر تبعاً لنوع التفاح – ودرجة النضج – وسلامة الطبقة الشمعية – ودرجة رطوبة الثلاجة.
• التفاحة التي تم عرضها من خلال المقطع مغطاة بطبقة شمعية لكون اللمعان ظاهر على سطحها.
• وبالتأكيد سيظهر على قشرتها وداخل الثمرة “النسيج الداخلي” ذلك التبقع أو اللون البني الذي انتشر على معظم الثمرة نتيجة ظروف التخزين غير الجيدة مثل تذبذب درجة حرارة الحفظ أو نقله أو تركه لمدة طويلة في الجو العادي.
• هذا اللون البني ما هو إلا تنفس داخلي للثمرة (تغيرات فسيولوجية) سببت تحللاً داخلياً للثمرة، ورغم ذلك التحلل أو الفساد فإن الثمرة حافظت على قوامها لوجود الطبقة الشمعية.
• نعم يمكننا تفادي عطب الثمار ومنع التكون البني عند إحكام التخزين.
بعد هذا التوضيح؛ لابد لنا من وقفة هادئة نناقش فيها إيجابيات المضائف الحسينية وسلبياتها.
سأبدأ الحديث عن الإيجابيات، فالإطعام في المناسبات الدينية له الأثر الكبير في تعظيم شعائر الله،
{ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [سورة الحج: 32].
فإذا كان المطلوب منا أن نتخلق بأخلاق الله (عز وجل) كون الإطعام شعيرة من شعائر الله، فجدير بنا أن نتعلم كيف نطعم الآخرين.
نحن على يقين أن هذا العمل الإيماني يكلف الكثير الكثير من المال والجهد والوقت والمتابعة.. فجزاءَ القائمين على هذه المضائف التوفيق لعمل الخير، والاستمرار فيه، نسأل الله لهم قبول العمل، وعلو الدرجة، وغفران الذنب، والجنة.
بنظرة عامة يمكن أن نقيّم السلبيات بموضوعية تقتضينا هنا.
سأحاول أن أصف هذه الأخطاء كما أراها لكي نولي الأمر حقه من العناية.
الواقع أن ما نشاهده اليوم لا يتسع أن نغمض العين عنه، بل يجب من المعنيين وأصحاب الاختصاص أن يناقشوا المشكلة نقاشاً علمياً، لعل في ذلك ما ينتهي إلى العلاج.
وهنا نتساءل: هل تشعر بالخوف من الأطعمة الملوثة؟
كثيراً ما ينصح اختصاصيو الغذاء والأطباء وذوو الثقافة الصحية، بالابتعاد عن تناول المأكولات التي تعرض على الطرقات.
كشكات المضائف المنتشرة على جوانب الطرق من هنا وهناك، قد تكون مصدرًا مشكوكًا في نظافته.
في مثل هذه المناسبات يتم إعداد وجبات الطعام بكميات كبيرة، قد يسيء حفظها مما يؤدي إلى فساد معظمها بنمو الجراثيم والسموم الفطرية الضارة بالصحة.
المأكولات تعرض مكشوفة أو جزء منها في ظروف مناخية حارة مع مستوى صحي سيئ، لتتحول إلى وجبات غير آمنة، والخشية من حدوث تسمم غذائي لا سمح الله.
والتوصية هنا عدم عرض أي مأكولات على منصة الكشك إلا بقدر الحاجة، وأن الكميات الكثيرة منها تحفظ في أماكن بعيدة عن الحرارة حتى لا تصبح سبباً في التسمم الغذائي.
دعوني بعد هذا أصور لكم ما صادفني اليوم من خطر محدق..
مياه شرب معبأة في قوارير بلاستيكية تابعة لأحد المضائف، رصت وشدت فوق بعضها بأعداد كبيرة، وتركت خارج المنزل بجانب السور الخارجي من بداية محرم في الأجواء الحارة، وتحت حرارة الشمس المباشرة، دون خوف أو مبالاة، ما نتيجة ذلك؟! بالتأكيد مياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي لاحتوائها على ملوثات مسرطنة بسبب هجرة المادة البلاستيكية بتأثير الحرارة إلى مياه الشرب، إنها أمور تسيء إلى سمعتنا وصحتنا.
هدفت من هذه المقالة إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة لتوعية القائمين على المضايف الحسينية، والحرص الشديد على السلامة العامة، ورفع ثقافة مجتمعنا الصحي.
أدعو الله وتدعونه معي أن يوفق مجهودات القائمين على خدمة الحسين (عليه السلام)، في هذه الأيام الحزينة، أيام الله، فخدمة الحسين توفيق في الدنيا والفوز في الآخرة.
لا نزال قادرين على إطعام الطعام، وأن نقدم الأفضل والأحسن لضيوف الحسين (عليه السلام)، وكنت حريصاً كل الحرص ألا أستهدف هولاء المؤمنين خدام الحسين – معذرة – إنما في الحقيقة هي أخطاء شاهدناها في الميدان، ونعتقد أنها ناتجة عن قلة وعي.
في الختام، نحن هنا نهيب بالأخوة القائمين على المآتم والمضائف (مأجورين مثابين) التأكد من سلامة وجودة الطعام المقدم للناس في مناسبات أهل البيت (عليهم السلام) وخصوصاً في مثل هذه الأجواء الحارة والرطبة، سواء كانت وجبات جاهزة أو فواكه طازجة وغيرها، حتى لا تتسبب بأضرار صحية نؤثم عليها.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات