كل أو لا تأكل.. لحوم وألبان وبيض.. منتجات أمرها محير!  

تحتل حيوانات المزرعة كالأبقار والعجول والأغنام والدواجن مكاناً ممتازاً في المشاريع الزراعية، وذلك للدور الهام الذي تلعبه في تحويل مواد الخام كالمراعي والأعشاب والحشائش ومخلفات المزارع أو مواد فائضة عن حاجة الإنسان إلى منتجات غذائية.

من الضرورة الملحة أن تتم عملية التحويل بطريقة أكثر نفعاً للإنسان، وذلك بتطبيق الضوابط الصحية من أجل سلامة المنتجات الحيوانية ومأمونيتها.

هناك كثير من الدلائل التي تشير إلى أن البشرية مقبلة على أخطار باتت تهدد أشكال الحياة نتيجة عبث الإنسان ومخالفته للفطرة، والتلاعب بمعطيات الطبيعة، وتم كشف النقاب عن الكثير من الغموض الذي يلف تلك التحديات.

لا يخفى على الكثيرين أن هناك العديد من الأمراض الوبائية المعدية المشتركة التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، وسببت له ضرراً جسيماً، بل وقد تودي بحياته.

ليس هناك أدنى شك في أن صحة الإنسان تبدأ بصحة الحيوان الذي نستهلك لحومه وألبانه وبيضه، ويعتبر هو الهدف الأساسي والأهم من أجل حماية المستهلك من أخطار بعض الأمراض الفتاكة، فالعلاقة التي تربط كل منها بالآخر تحددت من خلال الفحوصات والإشراف الصحي على حيوانات المزرعة، والهدف هو سلامة الحيوان ومنتجاته وخلوه من مسببات الأمراض.

تشكل المراعي الطبيعية ومحاصيل العلف الأخضر والحبوب المصدر الوحيد الصالح لغذاء حيوانات المزرعة، التي نستهلك منتجاتها كل يوم، فسلامة غذاء أو علف حيوانات المزرعة تنعكس على سلامة منتجاتها.

فالكل يعلم بالانحراف السلوكي الغذائي الذي حدث لحيوانات المزرعة باستبدالها المراعي الخضراء ومحاصيل العلف والحبوب – الغذاء الطبيعي المتوازن – بالمركزات، ومخاليط علفية مصنعة، مليئة بالكيماويات والملوثات، والمصادر الحيوانية الضارة، الضارة في كل شيء.

مصانع الأعلاف أدخلت تركيبة مخاليط علفية مع مواد العلف الأخضر والحبوب، هي فضلات المسالخ أو مخلفات الذبائح كالجلود والشعر والحوافر والقرون ومحتويات المعدة والأمعاء، والعظام والدم ولحوم بائرة، أو لحوم حيوانات فقدت صلاحيتها كأن تكون مريضة أو هزيلة أو مذبوحة بعد النفوق، تخلط وتنتج في صورة ألواح أو مكعبات أو قوالب أو حبيبات – بما يتناسب مع الإنتاجات المختلفة كعلف لماشية اللبن أو التسمين أو للدجاج البياض واللاحم، وقد تدعم بأملاح معدنية وفيتامينات وأحماض أمينية، ويضاف لها مستحضرات بيطرية كمضادات حيوية ومحفزات نمو.

إن احتواء العليقة على تلك المكونات أحدث لنا أمراضاً لم تكن معروفة من قبل، بل ودخلنا عصر الأمراض المزمنة والمستعصية.

بدأت تظهر هذه الأمراض في أعقاب استخدام تلك المخاليط العلفية، ومعالجتها بالهرمونات مثل هرمون النمو والهرمونات الجنسية.

خطر العدوى كبير وهذا ما يوجب الامتناع عن أكل اللحوم ومنتجات الألبان والبيض، أو التوقف فوراً عن تغذية حيوانات المزرعة بأعلاف مخلوطة بمشتقات حيوانية، ومراعاة الفطرة الإلهية.

كل يوم تقدم لنا مراكز الأبحاث والدراسات، ومنظمة الصحة العالمية كشفاً جديداً عن الدور الخفي الذي تلعبه المخلفات العلفية “المركزات” ومعظمها خطر.

تعالت الصيحات المحذرة من خطر تلك المركزات المضاف لها أكوام لحوم بائرة ونافقة، ومساحيق دم وعظام وجلود، واستخدامها في تغذية حيوانات المزرعة، وقد تسببت بظهور أمراض غاية في الخطورة على رأس تلك الأمراض مرض “جنون البقر BSE” الذي احتلت أخباره جميع وسائل الإعلام، وأثار موجة من الرعب في شتى دول العالم، وتتركز الإصابة العضوية في الجملة العصبية لكون أعراضها عصبية بالدرجة الأولى، لتقضي على المريض في غضون ثلاثة أشهر إلى سنة.

نرى تهافت المربين والمزارعين وأصحاب المشاريع الزراعية على استعمال هذه المركزات والإسراف في تغذية حيواناتهم من أجل الإسراع في النمو وزيادة الإنتاج، طمعاً في الكسب المادي، قيمة الإنسان وصحته هدفاً أساساً فوق الاعتبارات المادية، وهو ما لا نشهده دائماً وللأسف.

كلنا يدرك أهمية الإجراءات الوقائية الهادفة إلى أحكام السيطرة على انتشار الأمراض الوبائية التي قد تنقلها الحيوانات للإنسان.

نعم غذاؤنا عاثت به تقنيات القرن الواحد العشرين بصور شتى، لكن السؤال هل اقتربنا من الصورة المظلمة؟ حيوانات نافقة تجهز لصنع أغذية معدة لتغذية حيوانات المزرعة!!

نرى أن الخطر كل الخطر يكمن في حالة استخدام حيوانات مريضة ونافقة في تركيبات علفية، لتغذية الماشية والدواجن، جلبت لنا الكثير من الأمراض الفتاكة مثل جنون البقر، والجمرة الخبيثة، وإنفلونزا الطيور.

تلكم سببت كارثة كبيرة وآثاراً صحية محدقة لكونها تنتقل إلى الإنسان عند أكل لحومها ومنتجاتها.

حرصت معظم الدول على حظر استيراد لحوم الأبقار والدواجن من المواقع التي أصيبت منها، هذه الأمراض ارتبطت بتغذية الحيوانات الحية على أعلاف مكونة من مصادر حيوانية ميتة، وبهذا تظهر لنا جلياً حكمة الخالق عز وجل بتحريم أكل الميتة في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ..} [سورة المائدة 3].

وكلنا يعلم أن الماشية بالفطرة الإلهية هي حيوانات مراعي تتغذى على النباتات العشبية الخضراء والحبوب الطبيعية، وفي حالة تغذيتها بأعلاف مخلوطة بمشتقات حيوانية تصبح لحومها وألبانها ملوثة بالميكروبات السمية القاتلة.

المادة العلفية المصنعة اليوم لا تستحق الثقة، ولا علاقة لها على الإطلاق بمواد العلف الأخضر الطبيعي، وهي عبارة عن علف جاهز مخلوط من مركزات ومواد علف خشنة ومصادر حيوانية ضارة.

لذا ألزمت الهيئة العامة للغذاء والدواء المستوردين للحوم الحمراء والدواجن المبردة والمجمدة بإرفاق وثيقة صحية معتمدة تثبت عدم تغذية الماشية على أعلاف محتوية على بروتينات حيوانية كإجراء وقائي، وهو مطلب من أجل فسح الإرسالية.

كما اشترطت الهيئة على المستوردين ضمن المستندات المصاحبة لإرسالية المنتجات العلفية إرفاق شهادة صحية للمنتجات التي تحتوي على مكونات ذات أصل حيواني، فالمصادر الحيوانية المسموح استخدامها في مواد العلف تشمل المواد الحليبية ومشتقاتها، والنواتج الثانوية من مسالخ الدواجن والبيض، والمنتجات البحرية كمساحيق السمك وغيرها، وقد أصدرت الهيئة لائحة تنظيم للمنتجات العلفية (SFDA.FD /2017 المواد العلفية المسموح والمحظور استخدامها في الأعلاف).

أصبحت لحوم الحيوانات ملوثة بمواد علفية مصدرها معدومات مسالخ مريضة ونافقة وبمركبات كيميائية وبيطرية وهرمونات، تنقل إلى الإنسان أمراضاً لا علاج لها.

• تضاف المضادات الحيوية إلى علائق الدواجن والحيوانات الزراعية لإسراع نموها وخفض نسبة النفوق، ونحن لسنا ضد هذا الإجراء الصحي في الأغراض العلاجية أو الوقائية، وفي هذه الحالة يجب أن لا نستخدم لحوم هذه الحيوانات المعالجة، ويتم التخلص منها فوراً، أو عدم ذبحها واستهلاك لحومها إلا بعد فترة زمنية، حتى ينتهي مفعول تلك العقاقير، وبقايا الملوثات الضارة بالصحة.

والخطير في الأمر أننا نرى معظم اللحوم المستهلكة في منطقتنا من نواتج مزارع ألبان منتهية الصلاحية، أبقار معالجة بالعقاقير البيطرية والمضادات الحيوية والهرمونات الملوثة والضارة بالصحة، وأغلبها يصرف على المطاعم والمطابخ، ومحلات الجزارة، ومراكز التسوق، ولا يوجد عذر لكل متعهد يتعامل مع هذه المزارع ومشاريع الألبان، إنما الضمير وشرعية الأموال التي تكسب بهذه الوسيلة، فسلامة الناس وصحتهم فوق كل المصالح والاعتبارات المادية.

ما أخطر هذه الثقافة السوقية القائمة على “أكبر ربح في أسرع وقت وبأي أسلوب كان”، ولا أريد أن أقول أكثر من هذا، وضمير المتعهدين والجزارين وأصحاب المطاعم والمطابخ كلها صحوة!!

يعنينا هنا من هذا؛ إيقاف شلال الطغيان والتجاوزات الذي يمارسه المستهترون فوراً، التوقف عن تغذية الحيوانات بالأعلاف المخلوطة بمشتقات حيوانية، والملوثات الكيميائية، ومراعاة الفطرة الإلهية.

خطر العدوى كبير وهذا ما يوجب الامتناع عن أكل اللحوم والألبان والبيض المنتج من مزارع تستخدم هكذا مركزات ومخاليط علفية أُسيء استخدامها، وهذا هو الإجراء الصحيح.

كي يكون الغذاء آمناً يجب إزالة جميع التجاوزات الخطيرة بتشديد الرقابة على المواد العلفية المستوردة عن طريق إخضاعها للفحوصات المخبرية، ولا يكتفى بالشهادات الصحية المرفقة.

فقد تم التنسيق بين الهيئة العامة للغذاء والدواء ووزارة “البيئة والمياه والزراعة” لانتقال مهام الرقابة وسلامة ومأمونية الأعلاف بأنواعها كافة (الأعلاف المركبة، الإضافات العلفية، مخاليط الإضافات العلفية، مواد العلف : الأعلاف الخضراء- الحبوب السائبة- الأعلاف الخام)، والاختصاص بإنهاء الإجراءات والعمليات المتعلقة بفسح المستورد منها اعتباراً من تاريخ 1440/11/01هـ الموافق 2019/07/04م إلى الهيئة العامة للغذاء والدواء، وقد أعدت الهيئة شروطاً لفسح تلك المنتجات.

ولقد أحسنت وزارة “البيئة والمياه والزراعة” صنعاً بتسليم مهام الرقابة وسلامة ومأمونية الأعلاف بجميع أنواعها للهيئة العامة للغذاء والدواء لتوفر الإمكانيات الفنية القادرة على فحص المواد والإضافات العلفية المستوردة، والتأكد من مطابقتها وخلوها من المواد الملوثة، ومن ثم إصدار النتائج المخبرية الدقيقة.

وكذلك فرض رقابة صارمة على مصانع الأعلاف المحلية ؛ أو التي تخلط مكوناتها داخل أو خارج المشاريع الزراعية، للإشراف على ظروف التخزين، وسحب عينات من المواد المخزنة ومن خط الإنتاج وفحصها بشكل دوري للتأكد من سلامة وصلاحية الأعلاف للاستهلاك الحيواني.

الحيوانات الزراعية ومنتجاتها متهمة اليوم بأنها ضد الصحة، وإطلاق مثل هذا الاتهام باطل! فإن الله سبحانه وتعالى أوجدها لفوائد، ولكن المشكلة تكمن في تغيير بصمة الأغذية الموجودة في الطبيعة والتي سببت أخطار وتسممات للإنسان.

المواشي والدواجن التي تُعلف بالحبوب والمراعي الطبيعية وفي الهواء الطلق ولا تحقن بالهرمونات ولا بالمضادات الحيوية، هو السبيل لحماية الإنسان.

على أننا بعد هذا كله لا نستطيع أن نستمر في دوامة الخطأ والإساءة إلى صحتنا، ويجب أن تكون المرحلة القادمة مرحلة تصحيح ووعي وإدراك والتزام بالضوابط الصحية والمعايير الفنية.

من جهة أخرى، حصل تطور مهم في الغرب، المصالحة بين الصحة والطبيعة، كانت تنادي بالعودة إلى الغذاء الطبيعي، فتحولت إلى موضة استهلاكية جديدة، بعد حصيلة التلاعب بالمعطيات الطبيعية للزراعة وتربية المواشي مثل مرض جنون البقر وإنفلونزا الطيور، فكثير من العائلات الأمريكية توجهت إلى تربية الدواجن في الحدائق الخلفية لمنازلهم لغرض توفير البيض واللحم العضوي الخالي من الهرمونات، وقد انتشرت هذه الظاهرة في ولاية تكساس.

منتجات حيوانات المزرعة العضوية تأتي من الدواجن والمواشي التي لم تُعط أي مضادات حيوية، ولم تحقن بالهرمونات، والتي تمت تغذيتها بمنتوجات عضوية خالية من المنتوجات الحيوانية.

رغم أن هناك بعضاً من المستهلكين قد اتخذ قراره بأنه لا ضرر من تناول لحوم ومنتجات حيوانات تتغذى على هكذا نوعية من المركزات العلفية، والبعض الآخر ما زال في حيرة من أمره، إلا أن هناك شريحة من المستهلكين قد اختارت طريقاً ثالثاً وهو اللجوء للمنتجات الحيوانية النظيفة والعضوية وهذه قناعاتنا الشخصية فالصحة لا تشترى بالمال ولا تقدر بثمن، وإنما هي منحة من الله عز وجل لنحافظ عليها.

ختاماً نشير إلى أننا لم نكن في هذه المقالة بصدد نشر الذعر والتخوفات وإثارة الزوابع بين الناس، بل كان هدفنا لفت النظر إلى قضايا بالغة الأهمية بدأت تفرض ذاتها بإلحاح على مجتمعنا، نناقشها ونطرح رأينا بصورة علمية مجردة، وعدم كتم المعلومات، لابد من التوعية، إنها مسؤولية.. مسؤولية نطالب بها.

هذه مخاوفنا، وهذه هي المنزلقات التي تتربص بنا.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.


error: المحتوي محمي