
كما أن لكل عمل أسوبًا خاصًا به ، ذلك أن للدعوة التبليغية أسلوبًا خاصًا بها على الخطيب المنبري أن يفقه، وإلا فمهما بذل من جهد فلا يصل إلى غايته المطلوبة، والأسلوب يتجدد من عصر إلى آخر بتغيير الظروف والأزمان، والأماكن فلكل زمان أسلوب خاص به، وحديث متعلق به، تبعًا لتغيير البشر، وتطورهم العقلي والنفسي والمعرفي، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله: وادع إلى سبيل ربك..) إن تأكيد القرآن على هذه النظرية في معرفة الخطيب مجالات دعوته من الأهمية بمكان، لكي تنجح وتؤثر خطاباته في نفوس المتلقي.
وبودي في هذه العاجلة ونحن على اعتاب شهر محرم الحرام وهو شهر تكثر فيه المجالس والخطابات والخطباء رجاًلا ونساءًا أنا نتمنا من الأخوة الخطباء والخطيبات والقائمين على المجالس ، ان يهتموا بما يلي لأن المنبر مسؤولية كبيرة على عاتق من يرتقيه، ومسؤولية ثانية على عاتق من يكون سبابًا في تجمهر الناس حول هذا الخطيب أو ذاك.
اوًلا- الالتزام جانب التقوى:
إن التزام الخطيب والقائمين على هذه المجالس جانب التقوى وثيقة تضمن لهم نوعًا من الأمن من الزلل والفتن، وهي مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملَكة، ونجاة من هلكة.
ثانيًا- اتقان قواعد الخطابة والدعوة إلى الله:
من عوامل نجاح الخطابة وتأثيرها القوي على المتلقي، أن يتقن الخطباء فن الدعوة، لأن الخطابة فن وقيادة وهي تقوم على منهجية التخطيط والمتابعة الدقيقة، ويظن كثير من الخطباء أن المنبر يقوم على ركيزة الدمعة(العَبرة)، وبعضهم خطابته قائمة على ما يسمى(البركة)! وهذا غير صحيح، وبذلك تكون الخطابة فاشلة في التأثير السلوكي والتعامل الحياتي. إن الخطابة تعتمد على قواعد وأسالب، ووسائل، وتخطيط دقيق، وهذا ينقل الخطيب إلى الإطار الفني المنتج والمؤثر في الجماهير.
ثالثًا- تجنب الطفولة المنبرية:
إن عملية التغير والإصلاح عبر المنابر تعتمد كثيرًا على شخصية (الخطيب)،ذا الأسلوب العلمي الصائب، والعقلية في فهم الحياة الاجتماعية فهمًا صحيًا. كما ورد في الحديث عنه (ص) قوله: لا بد للعاقل أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه وليعرف أهل زمانه. أي يفهم متطلبات المرحلة التي يعيش فيها مجتمعه، ليرتقي بهم نحو سلم الكمالات العلمية والأخلاقية والمعرفية، ويكون عاقًلا في فهم الحياة ويتقدم بالمستمع(المتلقي) كلما تقدم بهم الزمان، وتطورت عجلته العلمية والمعرفية، لا أن يكون مهرجًا متطفًلا على قداسة المنبر والدعوة.
لذلك أصبح على كل خطيب أن يتجنب الطفولة السياسية، والفكرية، والمهاترات الاجتماعية، لأنها توجب تأخر العملية التغيير في المجتمع الإسلامي، وتسلب المنبر بركته، وتغلى الفائدة المرجوة منه.
رابًعا- الإحاطة التامة بما يتعلق بالدين:
لا ندعي أن هناك دعاة أو خطباء كاملون في المعرفة العلمية أو الدينية أو الثقافية، فالإحاطة الكاملة بالمعرفة لا يحيط بها إلا نبي أو وصي نبي، لكن يمكن للداعية أو الخطيب أن يكون محيطًا بالمعرفة الشمولية للعلوم ، أي يكون عارفًا بالأحكام وما يتعلق بها من علوم، وعارفًا بالثقافة وعلومها، وعارفًا بفقه الحياة وما يتعلق بها، وعارفًا بما يحتاجه المجتمع المعاصر ومتطلباته. جاء عن رسول الله (ص) قوله: إن دين الله تعالى لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه.
وهذا القرآن الكريم يحدثنا عن خطابه لرسوله العظيم (ص) أن يدعو بهذه الآية الكريمة( وقل ربي زدني علما).
خامسًا- عدم التهرب من المسؤولية العامة:
إن التوجيه الخطابي- أيها الأحباب- لا يقبل التجزئة ! والتنصل عن مسؤولية توجيه المجتمع، بكل ما يواجه من مشكلات معاصرة ،ومشكلات متأزمة- ومما يؤسف له حقًا- أن بعض الخطباء لا يتقن على المنبر إلا أسلوب (العَبرة) ويتنصل من أسلوب ( العٍبرة)،إن مجتمعنا اليوم في ظل المتغيرات العلمية والغزو الثقافي والمعرفي، والانفتاح التكنلوجي وتحويل العالم إلى قرية صغيرة ،أصبحت مسؤولية الخطيب عظمية ومهمة وكبيرة، أن يحول المنبر إلى توجيه المجتمع وفئة الشباب خاصة إلى الخطر المحذق بهم من الإرهاب، والفساد الأخلاقي، والإلحاد، والتغريب، والتفكك الأسري، والعقوق، وقطيعة الأرحام، وفقدان ثقافة التسامح وقبول الآخر، والتحجر وعدم الانفتاح على الآخر، وعدم الاهتمام بحب الأوطان والدفاع عن مكتسباتها الدينية والوطنية والثقافية والإقتصادية، والإجتماعية والسياسية، ومحاربة المجاملة الزائدة على حسب المكتسب الديني والوطني، أو العشائري أو الطائفي، والتبرج والسفور السافر، وتأخرنا عن مواكبة العالم علميًا وحضاريًا، كل تلك مشكلات بحاجة إلى حلحلة ومعالجة دقيقة وسريعة، والمنبر في محرم الحرام قادر على توضيح المتطلبات التي تمر به الأمة الإسلامية والمجتمع المعاصر، وفرصة متاحة للحديث عنها ومعالجتها وتوجيه المجتمع وخصوصًا فئة الشباب لها، إذ أنها من أكبر المسؤوليات الملقاة على عاتق كل خطيب، وداعية.
سابعًا- تقديم الأهم على المهم:
الملاحظ على بعض الخطباء- حفظهم الله تعالى- الاهتمام بالعرض التاريخي المكرر على ما هو أهم بالنسبة للمشكلات المتأزمة التي يعيشها مجتمعنا، وياليت أن بعض الخطباء إذا سردَ العرض التاريخي يكون محلًلا أو ناقدًا أو مستفيدًا منه لصالح معالجته لبعض القضايا التي يعيشه المجتمع أو المستمع، إننا لا ننكر المقولة القائلة: أن لكل خطيب أسلوبه، ولكن لا يطغى أسلوبه على حنكته، وعلمه، ودرايته بواقع المجتمع، وإلا لا يمكن أن يكون خطيبًا وداعية مؤثرًا التأثير المطلوب.
أهم ما يبتغي طرحه ومدارسته في هذا الشهر:
من واقع ثلاثة عقود من الدعوة على المنابر، ومن الاستقراء التام الذي قمنا به، نرى من الجيد الحديث في هذا الشهر عن أمور مهمة جدًا ، ينبغي على الخطباء التركيز عليها ومعالجتها لعل الله يُصلح على أيديهم ما فسد من أمور المسلمين، وهي كالتالي:
1- مناقشة الأمور الأخلاقية خصوصًا العلاقات (الزوجية، والأسرية).
2- التعرض للمشكلات الزوجية المعاصرة بما فيها ( الخيانة الزوجية من الجانبين، الأسباب والعلاجات.
3- قداسة الحياة الأسرية في الإسلام/ الأسرة النبوية إنموذجًا/ حياة الآباء والأمهات السابقين إنموذجًا.
4- نشر ثقافة التسامح : بين الطوائف/ الأُسر/ الزوجين/ الأصدقاء/ الجيران/ الأرحام/ العلاقة مع الآخر.
5- حب الوطن وقداسته عبر: نشر الثقافة الوطنية/كيفية الدفاع عنه قولاً وفعًلا/ الحديث عن منجزاتنا الوطنية في القضاء/ الإعلام/ السياسة الخارجية/ التنمية الداخلية.
6- ما هي رؤية 2030 وما تحمله من أفاق مستقبلية واعده، للشباب وجيل المستقبل.
7- أهمية التحصيل العلمي/ الإهتمام بالدارسة/ الإهتمام بالتفوق العلمي/ الإهتمام بتنمية القدرات العلمية والإبداعية والاختراعات/ الاستفادة من الطاقات الوطنية.
8- الأخلاق العملية عند رسول الله (ص) وأهل بيته مع / العائلة/ المجتمع/ المجتمعات الأخرى.
9- ظاهرة التمرد على الاعراف الدينية، والإجتماعية، والوطنية، عدم احترام تقدير الكبير/ التمرد على الشرع/ الوالدين/ النظام/ القيم الدينية.
10- ظاهرة الإبتزاز عبر/ الإبتزاز الجنسي/ الإبتزاز المالي/ الإبتزاز الإلكتروني.
11- الترابط الاجتماعي الوطني عبر/ نشر ثقافة قبول الآخر، ثقافة المشاركة الوطنية/ نشر ثقافة كلنا مواطنون/ نشر ثقافة الوطن للجميع.
12- محاربة ظاهرة الفجور في الخصومة في/ العائلة/ الصداقة/ الحياة الزوجية/ الاختلافات المذهبية.
13- محاربة الطائفية والطائفيون/ نشر ثقافة التسامح المذاهبي/ نشر ثقافة التراحم والتواصل.
14- خطر الإعلام على الفرد والأسرة والمجتمع عبر/ فضح الإعلام المعادي والحذر منه/ تشجيع الأقلام الوطنية/ الحذر من وسائل التواصل نشر الشائعات المغرضة.
15- أهمية الأمن والسلم الإجتماعي/ أهمية الأمن والأمان ونتائجه على الفرد والأسرة والمجتمع/ الوقوف ضد الإرهاب بكافة أشكاله/ فضح الإرهاب والحذر منه.
16- أهمية الزوج في الإسلام/ إختيار شريح الحياة طُرقه وخصائصه/أهمية محاسن الإسلام في المتقدم للزواج.
17- خطر الانحرافات الاجتماعية/ خطر المخدرات/ تجنب مجالس اللهو/ الحذر من رفيق السوء/ محاربة الفرغ.
18- التفقه في الأحكام الشرعية عبر/ أهمية الفقه/ المقارنة بين النظرية الفقهية والقوانين الوضعية/قدرة الفقه على حللت المشكلات الفردية والأسرية والاجتماعية/ أهمية دور العلماء في إصلاح المجتمعات/ أهمية العلماء في توحيد الكلمة وكلمة التوحيد.
19- الحث على المهن اليدوية/ أهمية العلم المهني/الحديث عن نموذجية الأنبياء، والأوصياء والصحابة، والعلماء في المهن اليدوية.
20- نشر ثقافة الحب والمودة بين الناس عبر / الحديث عن أهمية الحب والمودة بين الزوجين وانعكاسه على أفراد الأسرة الواحدة/ نشر الحب والمودة بين افراد المجتمع وأهميته الإيجابية بين الناس/ الحب انعكاسه على نظرة الإنسان إلى الحياة والتفائل.
هذه بعض ما يستحضرني من عناوين المواضيع المهمة التي ينبغي أن يتحدث عنها أخواني الخطباء في هذا الشهر المحرم، لعل الله يجري على أيديكم إصلاح ما عوج من امور المسلمين والمجتمع الإسلامي، إنه سميع مجيب الدعاء، واخر دعونا أن الحمدلله رب العالمين.