في القطيف.. «خبز مريم» صفرته تغرب من فرن الخباز وتشرق بمنتوجات الأسر

رائحته تعيدك لأيام المخبز القديم، ولونه الأصفر، طعمه، وحتى ثقل قرصه، يجعل ذاكرتك تعود لشهر صفر، وتحديدًا التاريخ الذي تنسبه المنطقة لوفاة السيدة مريم “عليها السلام”.

“خبز مريم” أو الخبز الأصفر أو خبز الخمير، اختلفت مسمياته في بلدات القطيف وقراها، وتوحد طعمه ومكوناته، إلا أنه ما عاد “خبز مريم” فقط، وما عاد مرتبطًا بيومها فقط، فعصرنا عصر التطوير، وكل قديم قابل للتحديث، والقرص الكبير صغر حجمه، وتعبأ داخل أكياس صغيرة، وصار منتجًا ضمن ما تنتجه بعض المنتجات ممن امتهنّ صناعة الكعك والكوكيز وبعض الحلويات الشرقية والغربية على اختلافها.

«القطيف اليوم» في حديث مع الباحث في التراث الباحث عبد الرسول الغريافي، تتعرف منه على أصل هذا النوع من الخبز، ولماذا اشتهر في المنطقة دون غيرها، وما أسباب ندرته في المخابز الآن.

فسر “الغريافي” في بداية حديثه سبب ندرة ذلك النوع من الخبز؛ بأن الخباز لا يشغل نفسه بصناعة الخبز الأصفر صباحًا، بل يقوم بتجهيز الخبز الأبيض أو الخبز العربي لمكانته الرئيسية في وجبة الإفطار، ويشتغل على الخبز الأصفر في وقت الضحى أو العصر، ويصنع بكمية صغيرة في الصباح أو حسب الطلب.

ولتوضيح تواجد الخبز الأصفر وقت الضحى أو العصر أيضًا مردود اجتماعي، فالفطور قديمًا، وجبة تختلف عن فطورنا الحالي، ويتناولها غالبًا النساء، وقت الضحى، وتسمى “البيوتة”، وهي ما تبقى من عشاء البارحة الماضية، مشيرًا إلى أن مكوناته؛ الأرز الأبيض “غير مملح”، وقد يكون بصحبته الحلى “السمك المجفف أو اللبن”.

مناطق لا تعرفه
وذكر أن الخبز الأصفر عرفته القطيف والبحرين، أما في الأحساء، فهي لا تعرفه بل تعرف خبز التمر، وخبز الدبس، أيضًا لا يعرفه أهالي صفوى، بينما تعج بقايا مناطق القطيف بتنانير الخباز.

مؤشرات
ونوه “الغريافي” بأن الخبز الأصفر مهدد بالانقراض، بعد أن تخلى عن صناعته الخبازون من أهل البلدة، وسلموا زمام هذه الصنعة للعمالة الأجنبية، بعدما كانوا قديمًا، يتوارثها الأبناء جيًلا بعد آخر، والآن نادرًا ما تجد خبازًا من البلد، وإن وجد، فإن أغلبهم من الطاعنين في السن، وبمغادرتهم لهذا العالم لن يكون هناك جيل جديد، إلا الأجنبي الذي ينتهي عقده، ليهاجر، وتهاجر المهنة معه.

قديمك نديمك
وحول الفرق بين الخبز الأصفر قديمًا وحديثًا، يرى أنه سابقًا، أزكى وألذ، موضحًا أن السبب يعود لاستخدام تنور “الداغ”، أي الفخار، بالإضافة للصناعة على كرب النخيل والـ “السجين”، وهي قطع جذوع النخل، التي تكسبه نكهة مميزة -بحسب قوله- وبيّن أن إحلال السكر، كبديل للدبس والتخلي عن البيض، أو تقليل كميته إلى نسبة تكاد تكون معدومة، وإضافة المواد الحافظة، والخمائر الكيميائية، التي تزيد الحجم، فبقدر ما زادت كميات إنتاجيته، أكثر بقدر ما قلت جودته الصحية.

الخبز الأصفر
وأوضح “الغريافي” أن مسمى الخبز الأصفر موجود في بعض الوثائق التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمن، ولا يعني هذا تحديد تاريخ بدء خبازته في القطيف، بل ربما كان يعود البدء لقرون عديدة، فإن جميع المواد المستخدمة في صنعه، متوفرة محليًا.

خبز مريم
وعن سبب تسميته “خبز مريم” أجاب الغريافي: “تعودت كثير من النساء على توزيعه في ذكرى وفاة السيدة مريم، ولكن ليس كما يظن البعض بأنها عادة متبعة عند أهالي القطيف منذ عهد قبل الإسلام، حيث كان غالبيتهم يعتنقون المسيحية النسطورية، بل لكون السيدة مريم، هي إحدى سيدات قومها من بين أربع سيدات، وهن: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وفاطمة الزهراء، وآسيا بنت مزاحم وزوجة فرعون، ومريم بنت عمران “عليهن السلام”، فكان لكل من هذه الأسماء عند نساء المجتمع القطيفي والبحراني قدر كبير من الاحتفاء بشخصيتهن عند تاريخ ميلادهن ووفاتهن”.

وعن طريقة توصيله، قال: “توضع في زنابيل كبيرة، على عربات خشبية، تدفع باليد لتوصيلها وتوزيعها، والأطفال من ورائها، يغنون فرحين بهذه الأهازيج:
جابوه في العريبانة
وألعنو أبو لهب


error: المحتوي محمي