في ذكرى رحيل أمي الغالية

أمي الغاليــــــة إليكِ هذه السطور.. رحمك الله رحمة الأبرار.

لا أدري بماذا أبدأ وماذا أقـول، تاهـت الكلمات، انقبض صـدري، غص حلقي، ارتجفت يداي، عادت الذكـرى لـتحفر من جديد الحزن والآلام التي طمرها الـزمن، عادت لـتوقـظ الهـم المكبوت الذي سكن فؤادي وانشغلت عـنه بهذه الدنيا، عادت لأبكي من جديد وهل ينفع البكاء فقد جف الدمع في العـيون، كلماتي أصـبحت هائمة وهـمـساتي أصبحت صرخات تبعثها آلامي، مرت ثلاثة أعوام على وفاتـك يا أمي رحمك الله رحمة واسعة، لا أدري من أيـن أناديـكِ لأني أعـلم مهما صرخت بأعلى صوتي لن تـسـمعي إلا أنـيـني عـلى بعـدك وما تركـتِ إلا الحـزن في قـلبي والحيرة في بالي، كان فراقـك صعبًا يا أمي، لفراقـك بكى قلبي قبل أن تبكي عـيناي، لفراقك أحسست بالأنين يـتدفق إلى عـروقي، لـفـراقـك سـاد الـصـمـت أنحاء المـنـزل.

أمي الـغـالـية زمـن مـر عـلـى رحـيـلـك عـنـا زمـن كأنه الـدهـر كله، مـر ثـقـيـلًا عـصـيـبًا بـأيـامه بـسـاعـاتـه بـدقـائـقـه كل شـيء حـولـي يـئـن بـذكـراك، ابـتـسـامتـك الصـافـيـة لـم تـغـب عـن نـاظـري أراهـا أشـعـر كل يـوم بـبـعـد فـراقـك وبـمرارة رحـيـلـك بـنـقـص يـقـتـلـني، في مثـل هـذا الـيوم يا أمي ارتـفـعـت روحـك الطاهـرة إلى بارئها لـتـنال منـزلة رفـيـعـة مـن مـنـازل الأبـرار مـن أهـل الـجـنة إن شاء الله.

كم اشتقت لكِ يا أمي.. كم اشتقت لحضنك الدافئ.. أرسم حروفك من خطوط قلمي.. وقدرك في صدري جاوز كتاباتي.. أمي لن أنساكِ.. لن أنساكِ يا عطر الياسمين.. لن أنساكِ يا عبق الريحان.. يا حبًا فقدته.. أعدك وأنتِ بين يد الله أن أكون بارًا بكِ.. وفية لك، فكلما اشتقت لكِ سأقرأ لكِ آية من القرآن، وأهديكِ ثوابها، فأنا لا أفعل أجرًا ولن أفعله إلا وقاسمتك نيته، ولا أقف بين يدي الله إلا وكنتِ أول دعائي.. رحمك الله يا جنتي.

لا أملك الآن إلا أن أعـبر عـن نفسي بـيـن هـذه السطـور، حـتى السطـور تحمل كلمات حـزينة، أردت كتابة هذه الكلمات عن شوقي إلى أمي لكن دموعي سـبقـت كلماتي، وكما يـقـول المثل “كل ما مسكت القلم لكتب لكم خـطـي سـالـت دمـوع الحـزن وأمـحـت كل ما خطيت”.

رحلت أمي، فكان رحيلها زلزالًا حطم قلبي وبركانًا ثار في وجهي ، أمي مند ولدتني وذكراها باقية في قلبي إلى يوم الدين، ملامحها راسخة في مخيلتي ووجداني حتى أفارق الحياة.

كانت بابًا للحنان ونافذة للبهجة وممرًا آمنًا للسكينة، كانت بيتًا وبستانًا وسحابة فرح في لياليَّ الحزينة وقبلة حانية على يد الزمان الموغل في قسوته، كانت نهرًا فياضًا علمني أن أحب بلا حدود وأن أعطى دون انتظار المقابل.

كانت القلب الحنون المفعم بالعطاء والمحبة للآخرين والصدق مع الله وأهل البيت عليهم السلام بنية صافية، كانت مثالًا للتضحية والإيمان والتسامح والإيثار.

أمي.. ما زالت صورة وجهك المضيء هي حلمي الذي أعيش من أجله، مرت الأيام دون أن أشعر بها والشهور والأعوام هكذا وكلمح البصر، مرت ثلاثة عشر عامًا بالتمام والكمال اليوم على رحيل أمي، بل أقول رحيل جسدها حيث روحها معي تحفني في كل مكان، ولا أقول ذكرى لأن الذكري لمن لفه النسيان.. ولكن لن أنساكِ يا أمي ما حييت.

ترى ماذا أكتب.. وكيف أبدأ؟! أتاهت أفكاري، وهربت مني أحرفي؟ ماذا أكتب وكلماتي تنزف دمًا وعيوني تذرف دمعًا، وكل ما أعرفه أن أيامي ترغمني على تجرع كأس الحزن فتأسرني وتقذف بي في بحر عميق لا قرار له.

ها هي السنوات مضت من عمري، ولكنها ليست كبقية الأعوام، هي أيام عمري ترحل عني لتتركني بقايا إنسان، والشهور تتسابق لتغادرني تتقاذفها الأقدار.. ويقسو عليها الزمان.

منذ 13 عامًا، دوت صرخة صامتة، مزقت قلبي، ونزف دمي، وصارت الدنيا من حولي فضاء من ألم، منذ هذه السنوات علمت معنى أن تموت الحياة، وعلمت معنى أن نحيا بلا حياة، كل هذه السنوات وأنا أضعف شوقًا وحسرة، وأبكي وحيدًا بصمت، أبكي لفراق أغلى وأعز وأحن إنسان، كلما تذكرت مواقفك وكلماتك وطابعك، مَن لا يبكي أمه، كيف لا أبكيها وهي أمي ثم أمي ثم أمي، كيف لا أبكيها وقد كانت نبراسًا ينير طريقي.

كيف لا أبكيها وهي من علمتني سر الإنسانية الأصيل، وكيف لا.. وهي من أرضعتني مع حليبها الصبر والعطف والحنان، وقد كانت لي سندًا وحاجزًا يقف أمام انهيار نفسي، ببسمتك ألجأ إليكِ عند ضيقي، أسمع دعوتك الصادقة لي وكل يوم يمر أجد نفسي أقرب وأقرب إليكِ.. أمي القامة الشامخة، الكبرياء، الصبر، الحب، الإيثار، بكل معنى بزمن مر عليها تقاسم والدي مرارة العيش وتسانده وتقف بجانبه في السراء والضراء.

منذ سنوات أغلق الباب الأوسع، الذي كان الله يرحمنا من خلاله بسبب أمي أم الكرم، أم الوفاء، أم الأمانة والعطف، من بعدك يدثرني بأحضانه بالحب والحنان خوفًا وشوقًا وحنينًا، فما أقسى الحياة بدونك، مرت سنوات على فراقك وما زلت أذكر تفاصيلك صغيرة كانت أو كبيرة، كلما تذكرتك أشعر بروحك العطرة تظللني، كلامك لا يغيب عن سمعي.

رحلتِ يا أماه ونفسك مطمئنة راضية بقضاء الله وقدره، مرضية إن شاء الله، فلقد أديت رسالتك على أكمل وجه دون أي تقصير، فنامي يا أماه في سلام على الأرائك بإذن الله.

اللهم إن مغفرتك أكبر من ذنوبها، ورحمتك أوسع لها من عملها، فاغفر لها وارحمها، واعفو عنها، ووسع مدخلها وأكرم نزلها، اللهم وسع لها في قبرها ومد لها فيه مد بصرها، وافرشه لها من فراش الجنة، اللهم أنزل على قبرها نورًا من نورك، وأنزل على روحها نفحة من رحمتك يا أرحم الراحمين.

يا من فقدت أمك ابكِ على فراقها وعدم وفائك بحقها، والله إن الأم باب من أبواب الجنة مفتوح يغلق بمجرد وفاتها عنا، فلنعمل جاهدين لأن ندخل من هذا الباب، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين إذا أقسموا على الله أبرهم.

ويا من أمك ما زالت حية ترزق مع الأحياء، فأذكرك أن تقبل قدميها وتكون محسنًا لله، قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا}.

وألا تغفل لحظة عن إرضائها قبل أن يأتي يوم تعجز فيه أن تقدم لها شيئًا، ولا تنسوا الدعاء لأمي.

ورحم الله من يقرأ على روحها ورح موتى المؤمنين والمؤمنات الفاتحة {بسم الله الرحمن الرحيم ● اڶْحَمْدُ ڶڶّهِ رَبِّ اڶْعَالَمِينَ ●اڶرَّحْمنِ اڶرَّحِيمِ ● مَاڶِڪِ يَۈْمِ اڶدِّينِ ● إِيَّاڪَ نَعْبُدُ ۈإِيَّاڪَ نَڛْٺَعِينُ ●اهدِنَا اڶصِّرَاطَ اڶمُڛٺَقِيمَ ● صِرَاطَ اڶَّذِينَ أَنعَمٺَ عَڶَيهِمْ ● غَيرِالمَغضُوبِ عَڶَيهِمْ ۈَڶاَ اڶضَّاڶِّينَ} صدق الله العلي العظيم.

اللهم ارحمها بواسع رحمتك، وصب على قبرها شآبيب الرحمة والرضوان، واجعله روضة من رياض الجنة، واحشرها مع محمد وآله الأطهار.


error: المحتوي محمي