ونبقى

في حياتنا كثيرًا ما نواجه عقبات لتطيل زمان الوقوف لطريق، ولكن وإن طال الزمن فيمكننا على الأقل النظر لنهاية الطريق لرؤية النور عل الرغم من كل الظلام، فبالتأكيد سوف نتغلب على هذه المشقة، إنها تطمئننا، وتهدئ عقولنا، لتحسن حياتنا.

منذ قيام الحضارة البشرية وحياتنا راسية على الألم والمعاناة، فالبعض يعانون من الفقر، والبعض يعانون من المرض، وغيرهم الكثير يختلفون في طبقاتهم وألوانهم ولكن كلًا منشغل في عالمه الخاص، ومع ذلك يمكن التغلب على الألم بالأمل، ربما فقدت وظيفتك بشكل مفاجئ، ربما افترقت عن صدقك العزيز، ربما توفي شخص عزيز عليك، وربما وربما وربما.

وربما إذا استبدلنا الألم الذي نعيشه بكلمة “أمل” سيتغير الكثير، إن الله -عز وجل- لم يترك ولو بصيصًا خفيفًا لكيف يتعامل الإنسان مع الحياة فيقول: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، فلنعلم أن اليأس ملازم للكفر، كما أن الأمل ملازم للإيمان، وليس بعجيب أن تجد أصناف اليائسين بغزارة وكثرة بين الجاحدين لله، فبتأكيد نحن في بعض الأحيان مخيرون وأحيانًا مسيرون لا يمكننا أن نغير قضاء الله، فنحن لنتقدم أو نتأخر على أحد، إنما نسير وفق جدولة كتبها الله لنا من قبل في الكتاب المحفوظ، نسير في قضائنا للذهاب إلى قدر الله، فكما يقال: “تعددت الأسباب والموت واحد”، فكل شيء نعمله ونفعله هو قاضٍ منتهٍ سيكون فعلًا ماضيًا وربما مبني للمجهول.

أحيانًا يحتاج الإنسان للألم ليصبح أقوى، يأتي لهذا العالم وهو يبكي، هل هو بكاء فرح أو حزن؟ بكاء فراق أم تلاقٍ؟ أم هو خوفًا من مستقبل مجهول؟

إن الأمل علاج لجميع المشاكل وأنواع المصائب، فيمكننا بالأمل التعامل مع الأحداث المؤلمة، فلا شك أن الحياة حرب قوية، لكنها ليست سيئة بشكل إجمالي، يجب أن نبقى فاتحي أعيننا لنملأها بالأحلام، فالأمل لا يعطيك القوة فقط للتغلب على الألم فحسب؛ بل يجعل رحلة الحياة أسهل وأسعد، دعونا لا نقلق بشأن حقيقة أن اليوم سيئ، الأمل يبقينا نقول: إن الغد سيكون أفضل بإذن الله، فعندما يكون عندي أمل بالله، سيكون مترسخًا عندي أن حزن وصعوبة اليوم سينتهيان قريبًا.

لنتخيل لو لم يكن لديك أمل، ستكون الحياة لا تطاق، كنا لنشعر باليأس، وفي حالة نفسية من اليأس، فعقلنا سوف ينحدر إلى أعماق الاكتئاب وقد نشعر بالرغبة في الانتحار، فعندما تنتهي علاقة حب، فإننا نعتقد أنه لا يوجد أحد لنا في المستقبل، وإذا فقدنا وظيفة، فإننا نعتقد أننا لن نجد وظيفة أخرى، وأيضًا إذا مرضنا، فإننا نخيل أننا لن نتحسن أبدًا مرة أخرى، فبعض الناس، تعد الحياة مقبرة للآمال المدفونة.

إن الأمل يبقينا إيجابيين كما تعلمون، فإن تفكيراتنا وأقوالنا لها تأثير كبير على أفعالنا، فإذا أخبرك عقلك أن تبقى قويًا على الطريق وعدم فقد الشجاعة، فإنك ستفعل ذلك، فكما يقول سلفر في مسلسل “جزيرة الكنز”: “وتستمر الحياة.. وتستمر الحياة”.

إن الأمل يساعدنا أن نبقى على تجاهل معاناة الحاضر، عندما نبقى إيجابيين بشأن مستقبلنا، يزداد احتمال نجاحنا، إن المؤمنين هم مبعث التفاؤل والمتمسكون بأمل الله، فالمؤمن بأمل الله إذا حارب فهو واثق بالله أنه سينصره؛ لأنه مع الله والله معه {إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ}، فإذا مرضنا لم ينقطع أملنا أبدًا من العافية {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.

إذا اقترفنا ذنبًا أو جرمًا لم نيأس من المغفرة، ومهما كان الذنب عظيمًا فإن عفو الله أعظم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ والمؤمن}.

وإذا أعسر وضاقت ذات يده، أمل في الله ولم يزل إيمانه فيه عظيمًا لقوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}، ولن يغلب عسرٌ يسرين ولو دخل العسر جحرًا لدخل اليسر حتى يخرجه، فالله لم يقل “إن بعد العسر يسرا” بل لازمهما، إنهما يأتيان معًا، وتكرارها يعني تأكيدها.

كما تعلمون الآن، فإن جوهر الأمل دائمًا ما يكون حلوًا جدًا، إنه مصدر إلهام للعيش في الحياة بأفضل طريقة ممكنة، لذا اجعل أملك قويًا، سوف يعطيك الأمل الشجاعة والإلهام للتمسك بحلمك طالما تتنفس، إذا كان لديك طموح قوي وأمل وإيمان، فلا شيء يمكن أن يحبطنا، فهو يتيح لنا توجيه الهدف الوحيد من حياتنا، فالكلمة الوحيدة التي أقولها “ستبقى أمل”، فربما كانت دنيانا بئر كنعان، فلكي تصبح عزيز مصر لا بد لك أن تُرمى في البئر.

المصادر:
1 سورة يوسف آية 87
2 سورة الصافات آية 173
3 سورة الشعراء آية 81
4 سورة الزمر آية 53
5 سورة الشرح آية 5 و6


error: المحتوي محمي