قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} صدق الله العلي العظيم.
الفساد هو من أشد المعوقات خطورة في طريق تطور وتنمية المجتمعات، وهو ظاهرة اجتماعية سلبية قديمة وحديثة، محلية وعالمية، والتي لا تزال تعيش بيننا وتفتك بنا لغياب حس الانتماء الوطني وتدهور الأخلاق أمام المغريات المادية، وهو عدو شديد الخصومة لاستقرار المجتمعات ونظام حياتها.
جريدة الرياض وفي عددها الـ16929 ليوم الخميس 6 محرم لعام 1436هـ، الموافق 30 أكتوبر 2014م، جاء أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) كشفت عن تعثر وتأخر وسوء تنفيد 789 مشروعاً، ووقفت على 450 قضية فساد، وأن 67% من ممارسات الفساد والإهمال تمركزت في البلدية والصحة والتربية والتعليم، وأن 33% توزعت على بقية الأجهزة.
وتعثر الكثير من المشاريع التي يقوم بها بعض مقاولي الجهات في الوطن، كالصحة وتعثر مشاريع إنشاء مراكز صحية في بعض المناطق والقرى، وكذلك تعثر المشاريع التي تقوم بها البلديات كتعثر مشاريع أسواق النفع العام “أسواق السمك واللحوم والخضار” وغيرها من المشاريع في الكثير من مدن البلاد، وتعطيل أو تأخير تلك المشاريع التي تم التوقيع على تنفيذها كشف عن خلل كبير في الكثير منها، وأسقطت أقنعة الفساد التي يتخفى خلفها البعض.
عادة ما نجد الفساد منتشراً طليقاً يعشعش في بلداننا، وتنعدم الشفافية والوضوح على وجوه بعض المشرفين عليها، الذين ينتمون إلى دين نهى عن الفساد بكافة أشكاله.
الصينيون القدماء بنوا سُوَر الصين العظيم ليعيشوا في أمن وأمان، حيث لا يستطيع أحد من الغزاة تسلقه وغزوهم من فوق ذلك السور، وبعد مائة سنة من بنائه تعرضت الصين لعدة غزوات جميعها ليس من فوق سورها العظيم، وإنما جميعها كانت من المدخل الرئيسي للسور وبعلم الحارس! تدرون لماذا؟ لأن الصينيين انشغلوا في تحصين السور العظيم وتَرَكُوا الحارس من دون تحصين، وقام بقبول الرشاوى من الغزاة وسمح لهم بالمرور إلى داخل المدينة لتخريبها!
النهج السلوكي والأخلاقي للكثير من الناس في المجتمع قد تغير، فانزلقت قيم بعضهم الأخلاقية وقبلوا بالرشوة. في هذا الزمان انتشرت الرشوة بين البعض، حيث إنك تستطيع القيام بعمل ليس ضمن النطاق المعروف أو ضمن النظام المتبع مقابل مبلغ مالي تدفعه لعديمي الضمير في بعض الجهات لتمرير معاملات غير قانونية، وفي بعض الأحيان لا تستطيع القيام بعمل ضمن النطاق المعروف وضمن النظام المتبع إلا ووقف المتسلطون في بعض الدوائر بوضع العراقيل والمتطلبات للتنكيل بالناس حتى يضطروا مجبرين على مخالفة النظام ودفع الرشاوى لهذا وذاك لتخليص معاملاتهم منها.
خلاصة الكلام هي: إن الوطن غالٍ والوطنية التي يجب على كل فرد احترامها بصدق قد انهارت عند البعض أمام المغريات المادية ومُسِحَتْ من بين أيديهم، فهل هناك طريقة لبناء روح الوطنية من جديد لبعض المسؤولين عن المشاريع التي وفرت لها الدولة كافة الإمكانيات؟.