في حديثه عن الإسعافات الأولية.. الدكتور الخباز: الأم عند المواجهة تفقد القدرة على التصرف

في الوقت الذي تنتشر فيه دورات الإسعافات الأولية، نجد أقسام الطوارئ مزدحمة بالمراجعين، ولا يخلو مجلس من تردد شكوى من سوء حالات الطوارئ؛ فأين الحقيقة بين هذا وذاك؟

أوضح طبيب الطوارئ بمستشفى القطيف المركزي الدكتور حسين الخباز لـ«القطيف اليوم» أهمية ثقافة الإسعافات الأولية، ليس فقط في إنقاذ الحياة، ولكن أيضًا في التخفيف عن أقسام الطوارئ والتقليل من أعداد المراجعين.

الهدف
وفي البداية، بيّن دكتور الخباز أهمية عمل الإسعافات الأولية للحالات الطارئة بأنها إحدى طرق إنقاذ الحياة أو التقليل من المخاطر بشكل عام، إلى أن تخضع الحالة للرعاية الطبية الإضافية، سواء بالنقل إلى المستشفى أو قسم الإسعاف، مشيرًا إلى أن الإسعافات الأولية أحيانًا تكون كافية ولا تستدعي الحضور إلى المستشفى، مثل الحروق البسيطة؛ عندما يكون حجم الحرق صغيرًا، وليس في مكان تجميلي، فبعض الحروق البسيطة لا تحتاج أكثر من الغسل بالماء البارد.

وذكر أن بعض الحالات بالطبع لا يكتفى فيها بالإسعافات الأولية، وتتطلب الدعم الطبي الإضافي، وهذه الحالات تكون صعبة، مثل حالات النزيف، ملفتًا إلى أن بعض حالات النزيف البسيط قد تؤدي للوفاة، بسبب أن هذا النزيف لم يتم إيقافه، منوهًا إلى أن الإسعاف الأولي للنزيف يكون بمجرد الضغط على موضع النزف لإيقافه، فبعض الإسعافات الأولية بسيطة ولكنها تكون سببًا في إنقاذ حياة المريض، حتى يتم نقله إلى المستشفى أو يخضع لتدخل طبي إضافي.

حالات قصور
ونفى أن يكون أهالي المنطقة منعدمي الثقافة الإسعافية، مؤكدًا أننا لا نستطيع أن نقول إن الثقافة الإسعافية معدومة، باعتبار أن مستوى التعليم بالمنطقة جيد، قياسًا بمناطق أخرى، مما يؤثر في مستوى التعاطي مع المشكلات الإسعافية، فحتى إن لم يحصل عدد من الأهالي على دورات، فإنهم لديهم اطلاع كبير سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو اليوتيوب، والمستوى المعرفي للمنطقة جيد ولا بأس به، ولكن يظل هناك قصور حيث إن وسائل التواصل الاجتماعي أحيانًا تقدم معلومات خاطئة، وهذه إشكالية في حد ذاتها.

وتحدث عن نماذج من مراجعي الطوارئ لا تستدعي ذلك ومنها أن تصل حالة للطوارئ وتنتظر ساعة كاملة لشخص جرح نفسه بالموسى أثناء الحلاقة، ومرة أخرى جاء شخص في الساعة الثالثة فجرًا لأنه اكتشف “بثرة” بوجهه! وقال: “بعض الحالات لا تستدعي بالأساس زيارة قسم الطوارئ؛ فهناك نقص في الثقافة، من حيث آلية وسرعة التوجه، فظهور بثرة بالوجه لا تستدعي الحضور للطوارئ، إنما الذهاب إلى طبيب جلدية، في حين نجد أن بعض حالات النزف، يظل المريض ينزف ويأتي إلى المستشفى غارقًا في دمه وبالطبع لوث السيارة التي تقله، وممرات المستشفى بالدم، في حين أنه لو ربط موضع النزف لتفادى كل هذا الدم المهدور، وما قد يسببه لمن حوله ومن يراه من فزع بسبب كمية الدم التي فقدها”.

مهارات التدريب
وأوضح أن الإسعافات الأولية تعتبر مهارة، وليست تعليمات يتم حفظها، وفي المهارات لابد من التدريب، فمن يريد أن يتعلم السباحة على سبيل المثال لن يتعلم السباحة بالقراءة عن السباحة أو تلقي معلومات عنها، إنما لابد له أن يسبح حتى يتعلم مهارة السباحة، وبتكرار التدريب يتقنها، والإسعافات الأولية هي من هذا النوع من المهارات، الذي لابد له من ممارسة، ولذلك فإن الدورات التدريبية العملية وتكرارها مهم جدًا، لتؤدي مفعولها وتأتي بنتائجها، ولذلك هناك بعض الإجراءات التي تعزز هذا النوع من التدريب، كأن يكون التدريب على الإنعاش القلبي الرئوي إجباريًا لكل الممارسين الصحيين، وهذا الإجراء له أثر كبير على نشر ثقافة الإنعاش القلبي الرئوي في المنطقة، فالتدريب يعزز التدخل المناسب والسريع لإنقاذ الحالة.

وقال: “لذلك أقول إن الدورات بعضها جيد، والبعض الآخر سيئ، وهو الذي يعتمد على محتوى نظري فقط، فالمهارة تحتاج إلى تدريب، وتكرار التدريب لاكتساب المهارة وإجادتها، ولا يمكن تقديم دورة إسعافات أولية بشكل نظري فقط”.

خوف الأمهات
ورغم أن الأم عادة ما تكون هي الأقرب للمشكلات التي تواجه أبناءها، إلا أن معظم الأمهات عند المواجهة تفقد القدرة على التصرف الإسعافي المناسب؛ يرى الدكتور الخباز أن الثقافة الطبية لا تنتهي، فالإنسان من خلالها يخدم نفسه ويخدم الآخرين، كما اشتغلت أمهاتنا على أنفسهن لتعلم تضميد الجروح وتطبيب الحروق البسيطة وغيرها من الثقافة التي اكتسبتها كثير من الأمهات بشكل ذاتي، وبالتالي تعلمن إنقاذ أنفسهن وأولادهن ومنهن من تحولت إلى “طبيبة للأسرة”؛ ولكن المبالغة قد تكون مصدر خطر، وتؤدي إلى مشاكل، إذا تعدت من الإسعافات الأولية إلى الممارسة الطبية، ولكن في المقابل نجد أن الخوف الزائد عند بعض الأمهات يعيق سرعة التصرف تجاه حالات الإصابات المنزلية والطارئة، مما قد يحرمنا من إنقاذ أناس، أو على الأقل التخفيف من مضاعفات الإصابة في حال التدخل الصحيح والسريع، مثل الإنعاش القلبي الرئوي؛ فإذا تملك الخوف من المسعف ربما يفقد المصاب حياته.

واعترف بأن الموقف يكون صعبًا جدًا على الأمهات، في حال إصابة أحد أبنائها بأي حالة مثل حالات الغصة، التي تؤدي إلى وضع العائلة نفسيًا في صدمة بسبب حدوثها المفاجئ، ملفتًا إلى أنه إن لم يكن أحد أفراد الأسرة وخاصة الأم قد تدرب جيدًا على آلية التصرف، فمن الممكن ألا تسعفها الذاكرة فقط في استدعاء آلية الإنقاذ بسبب الصدمة، فالتدريب مهم ليساعد في وقت الأزمة وأمام الضغط النفسي الحاد؛ وأن تكون جاهزًا لتطبيق ما تعلمته.

خدمات
وفند الدكتور شكاوى البعض من أن قسم الطوارئ يتباطأ أحيانًا في النظر إلى الحالات، مبينًا الخدمات والأولويات في قسم الطوارئ بقوله: “أظن أن هناك شحًا في مراكز الرعاية الطبية الأولية بالنسبة لتعداد السكان، وبالتالي فهناك شح في عدد الكوادر الطبية، والنتيجة أننا نجد ضغطًا كبيرًا على أقسام الطوارئ، ونحن كأهالي ومتابعين يمكننا المساهمة في التخفيف على قسم الطوارئ، مما سينعكس على الخدمة التي يقدمها الأطباء، فكثير من الحالات تكون حرجة وتتطلب تدخلًا عاجلًا لإنقاذها، أكثر من مجرد تسكين ألم، وهذه واحدة من الحالات التي يمكن أن يساعد فيها المترددون على أقسام الطوارئ بأن يعرفوا لمن تكون الأولوية، فلو كان يعاني من ألم بسيط يمكنه تناول أحد المسكنات المتوفرة، ويفسح المجال لحالة أكثر اضطرارية منه.

عاجل وطارئ
وأوضح الدكتور الخباز أن بعض الحالات تحتاج رعاية عاجلة وليست طوارئ، مثل حالة الزكام؛ فالمريض لا يموت من الزكام، وهو في الحقيقة يتأذى منه، ولكن هناك حالات ربما تفقد الحياة لأن الطبيب انشغل بحالة مريض زكام! وقال: “إن بعض الحالات التي يمكن للمريض أن يتناول فيها المسكنات، ثم يذهب لأقسام الحالات العاجلة وليس أقسام الطوارئ، أو ينتظر حتى يراجع مراكز الرعاية الأولية، فالفرق بين الطارئة والعاجلة، أن الطارئة مهددة بفقد الحياة”.

فيديو: 


error: المحتوي محمي