من القطيف إلى الخبر وبعض مناطق الشرقية وحتى الرياض والكويت وميلانو بإيطاليا عودًا إلى سوق عكاظ بالطائف، وهو خلال ذلك كله لا تزداد أنامله إلا براعة ودقة، يتفنن في صنع الطين ليخرج منه مرة “شربة ماء القطيفية”، أو مزهرية أو فانوسًا حسبما تأتى له الطين أن يكون.
ولأنه ابن القطيف المتميز فيما يعمل، فإن أغلب أهلها يعرفونه ويعرفون كم هو بارع في صنعته التي ورثها عن والده وأجداده، فبمجرد أن تذكر اسم “زكي الغراش” فأنت تتحدث عن واحد من أبرع الحرفيين في صناعة الفخار بالقطيف، بل وممثل المملكة في المعارض الدولية التي تعنى بالحرف التراثية.
مشاركة أخوية
منذ انطلاق سوق عكاظ بالطائف قبل أكثر من أسبوعين، يقف زكي الغراش بزي تاريخي، مشمرًا عن ساعديه، يمسك بالطين ليصنع منه تحفًا تجذب الغادي والآتي من زوار السوق من كل أنحاء العالم.
«القطيف اليوم» استوقفت “الغراش” للتعرف على تفاصيل هذه المشاركة النوعية، والتي أوضح أنها المرة الثانية له في سوق عكاظ، ولكن لأول مرة يشارك معه أخوه سعيد بدكان خاص به، يتجاوران في الأخوة والحرفة والمهارة، بعد أن كان مساعدًا له في المعارض والمهرجانات السابقة، فالهدف هو نشر ثقافة حرفة الفخار وما تحمله من معانٍ جمالية، وقيم تراثية خاصة بأهل القطيف، فالفخار القطيفي له سمت مميز عن غيره من مناطق المملكة، وهو ما أكده زكي، بأن سوق عكاظ خصصت هذا العام سوقًا كاملة للفخارين، منهم من المملكة، خاصة المدينة، ومنهم من صنّاع الفخار من مصر والمغرب.
صنع مباشر
ويبرع زكي الغراش وأخوه سعيد في حرفتهما من نقش وتفريغ، وزخارف إسلامية وتراثية، في عرض حي ومباشر أمام زوار السوق، ليقدماها لكل من يطلب شراءها، فالقطع قد تتشابه في شكلها، ولكن لكل قطعة ملامح خاصة تأخذ من أحاسيسهما وقت صنعها، إلى أن تكتمل بشكل إبداعي جذاب ودقيق، بالإضافة إلى تلك القطع السابقة التجهيز والتي يعرضاها أيضًا للبيع لمن يرغب من الزائرين، يشجعهما على تقديم المزيد من فنونهما ذلك الإقبال الجيد، وتكرار السؤال والحضور إلى سوق الفخارين قاصدين ركنيهما.
فخار قطيفي
وأوضح “الغراش” أن أبرز القطع التي وجد عليها إقبالًا هذا العام، كانت “شربة الماء القطيفية”، وبعض الفخار مثل الحب وغيره من التحف، مؤكدًا أنه نقل أفضل أنواع الفخار من الشرقية إلى الطائف لاستخدامه في صناعة أواني تبريد الماء، وأباجورات للإضاءة، مبينًا: “هذا ما أحرص عليه دائمًا، والحمد لله المشاركة هذا العام أيضًا لقيت صدى واضحًا من خلال ركني وركن أخي”.
وذكر أن إخلاصه لحرفته هو ما يأتي له بهذا المردود من الثقة من الناس، وما يرونه من تفانٍ أثناء العمل، ويقول: “هذا بالإضافة لكوني عضوًا في برنامج “بارع” التابع للهيئة العامة للسياحة، وهو ما يشعر الجمهور بالاختلاف بين صانع فخار يقدم تجارة ويهدف فقط للربح، وبين من يعمل بنفسه ويرون كل خطوات القطعة من مجرد قليل من الطين إلى قطعة فنية يزينون بها بيوتهم أو مكاتبهم”.
ويضيف: “الحمد لله.. استطعت مع مرور السنوات إيصال ما هو صحيح عن الحرفة، والآن في سوق عكاظ أوصلت لهم أجود أنواع الفخار من الشرقية، والمعلومات الصحيحة حول ما يتعلق بأنواع الفخار”.
تطوير وابتكار
لم يتوقف الزمن بزكي الغراش عند حدود ما ورثه عن الأجداد من مهارات في صناعة الفخار، ولكنه ابتكر العديد من الأواني والأدوات التي يمكن صناعتها من الفخار، وتكون بديلًا محليًا من طين الوطن، ومنها أباجورات للإضاءة، ومنحوتات، وأحواض للزرع، ونوافير مياه، وكذلك طوَّر أدواته، فابتكر فرن حرق يعمل بالغاز، بديلًا للفرن التقليدي الذي كان يوقد بالخوص.
نقل المعرفة
شغف “الغراش” بالفخار لا يتوقف بين أصابعه، ولكنه يحاول نقله لكل من يرغب من أقربائه، وبعد أن علم أخاه سعيد الحرفة واطمأن لإتقانه لها، يعهد إخوته أيضًا بالتعليم، ويتعهد أن يعلم أبناءه هذه الحرفة الخلاقة، ويقدم دورات تدريبية للراغبين، ويجهز لدورات جديدة بعد الانتهاء من المشاركة في سوق عكاظ.