التربية بالحب..

تلعب التربية دوراً محورياً في سلوك الأبناء في المجتمعات بشكل عام، غير أن نسبتها في الأسر مختلفة تبعًا لعدة عوامل فسيولوجية، واجتماعية، وتعليمية مكتسبة، ودينية، فضلاً عن الطريقة المتبعة في ذلك.

بما أن الأسرة هي اللبنة الأساس للعنصر البشري بشكل عام؛ اعتنى الإسلام بها وأعطاها أهمية خاصة ودعا لحفظها، وسلامتها، وجعل سنناً وواجبات خاصة للتعامل معها.

إن الآداب والذوقيات التي ندب إليها الإسلام في الأسرة – حتى لو لم تكن بنحو الوجوب العيني – هي إضاءات تنير الحياة بأسرها.

الأسرة تتكون من والدين كريمين وأبنائهما. والوالدان أشبه بالشمس والقمر والأولاد هم نجوم الكون، فبلا شك أن دور الشمس والقمر في الكون كله بلا حدود، وفي كل الأزمنة والأمكنة والظروف، وهذا الدور للشمس والقمر لا يمكن للكون أن يستقر دونه أبدا وبأية حال.

وعليه؛ فإن للوالدين دورا كبيرا في تقويم سلوك ذريتهما، وتهذيبه، وتطويره، وتنميته من مرحلة لأخرى بما يتوافق مع أخلاق السماء، ورسالة البشرية.

إن الأسر الطيبة المتحابة المتآلفة تنتج ذرية طيبة في أغلب الأحيان، والعكس صحيح؛ وما شذوذ أحد الأبناء عن أبويه إلا نادر.
قال المصطفى (ص): “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم”، وعليه فالبر يورث بر، والعقوق يورث عقوقا وعلى ذلك فقس الكثير.

إن الوعي الثقافي والعلمي الذي يحمله الوالدان ينصب على تربية الأبناء بشكل لا نظير له؛ فالوالدان الواعيان يدركان حجم المسؤولية المناطة بهما تربوياً، ويدركان أبعادها التامة، ويسعيان للقيام بذلك على أكمل وجه، باذلين كل غال ونفيس للوصول إلى أعلى مقاييس التربية الفاضلة.

الأبناء يقتدون بآبائهم تلقائياً وبشكل عملي منذ الطفولة. لذلك فالأب الصالح المؤمن لا يحتاج للكثير من الجهد حين يوجه أبناءه للسلوك الأخلاقي الراقي أو العبادة الفاضلة، على خلاف الأبوين غير المهتمين بالدِّين والفضيلة فهما يجدان صعوبة بالغة في إقناع الأبناء بالتحلي بالأخلاق الحسنة لأن فاقد الشي لا يعطيه. جسدوا الأخلاق الحسنة سلوكياً ستجدوا أبناءكم يقتفون آثاركم دون مشقة تذكر إلا ما ندر.

ومن ذلك مثلاً؛ حين يهتم الوالدان بتلاوة القرآن الكريم، وتعلم كيفية الصلاة وأحكامها، وتناول فضائل آل محمد؛ فمن الطبيعي أن تكون الثمرة هنا حسن التربية وجمال السلوك وطهارة القلب. أما الوالدان العاشقان للرقص، والطرب، والخوض في مغامرات الرذيلة، واللذان لا يستنكفان من الكذب والنفاق والمعصية؛ فإنهما سيكونان كشجرة الزقوم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.

وبمعنى أوضح: إن الولد الذي يجد والده صادقاً وأميناً وخلوقاً وهادئاً ومتعلماً؛ سيكون – من الطبيعي – متحلياً ولو ببعض صفاته، خلاف الابن الذي ينام على كذب والده، ويصحو على تدليسه، ويحيا يومه على الصراخ والجهل والطيش والسفه.

إن خروج ما يخالف العادة في الحالين المذكورين وارد ولكنه بشكل شاذ، ولا بد له من عوامل مساعدة في أغلب الأحوال. وإن كانت درجة التأثر في الأبناء داخل الأسرة متفاوتة تبعا لعوامل متعددة منها المجتمع، والأصدقاء، والتعليم، والثقافة، والوراثة، والملكات النفسية، والمرونة، والوعي، والعمر، والدين.

للوالدين حقوق وواجبات وعليهما مثل ذلك. ومن الواجبات عليهما حسن التربية، ولن تكون التربية حسنة إلا إذا توافرت في الأسرة أخلاق الإسلام، وقيم السماء، وغرست بذورها منذ الطفولة وسقيت حتى تنمو لتصبح خمائل مزهرة يفوح عبقها في كل مكان.

إن صلاح الأسرة يعني صلاح المجتمع وفسادها يعني سقوطه في مستنقع لا فكاك منه.

وعليه؛ فإن دور الوالدين في غرس أخلاق الكمال وصفات الجمال البشرية أساسي وضروري جداً؛ لأنه المحك الذي سيكون عليه الأبناء في مستقبل الأيام، والذي سيتحول إلى سلوك المجتمع تلقائياً.

حتى لو كان هناك انحراف أو تعدٍّ على الخطوط الحمراء في المجتمع الذي تسوده الأسر الفاضلة؛ يبقى المجتمع سامياً، وراقياً، وقابلاً لبلوغ المجد بخلاف المجتمع الهش الذي لا يجعل للفضيلة مكاناً، ولا يضع الرذيلة موضعها المناسب.

اختاروا لنطفكم النصف الآخر المناسب الذي يحمل جينات وراثية عالية وأصيلة لأن العرق دساس، واسعوا للارتقاء بما تفضل الله به عليكم بكل الوسائل، ثم اغرسوا بسلوككم ما بلغتموه من علوم ومعارف وقراءات وثقافات واعتقادات وأخلاق سامية في أبنائكم لبنة لبنة ومرحلة مرحلة وبما يتماشى مع الاختلاف الزماني لمستقبل الحياة.

أبناؤكم أمانة في أعناقكم؛ فإن أحسنتم لهم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم لهم أسأتم لأنفسكم.

تحلّوا بالآداب السماوية، وجسدوها عملياً، وأحيوا الفضائل، ورسخوا الكمالات، ووجهوا أبناءكم على ذلك معزِّزين ومتابعين ومباركين وشاكرين وداعين؛ تبلغوا بأولادكم مراحل سامية وتنشئوا ذرية طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

وخلاصة القول: إن أجمل التربية هي التربية بالحب الطاهر المتدفق والمنظم، وحسب احتياج الظرف والمرحلة، والمتوافق مع هدى الإسلام وآداب السماء. وهل الدين إلا الحب؟! فما بالك بالتربية؟! إن خلق أسرة يسودها الحب والابتسامة والكلمة الطيبة يعني تكوين أسرة متينة وفاضلة بكل المقاييس. ورد في الأثر (خيرُ ما ورّث الآباءُ الأبناءَ الأدب)، والأدب مفهوم شامل ومطاطي يتجذر في كل سلوك بشري جميل، فضلاً عن أن الإسلام جعل مبدأ الثواب والعقاب التربوي الجميل المقنن سنة حسنة، ووضع له معايير خاصة، وأبجديات ومراحل لو طبقها الناس كما ينبغي لأصبح الناس ملائكة تمشي على الأرض.


error: المحتوي محمي