تقولُ أساطيرُ البشر عن الثعالبِ إنها تنام بعينٍ مفتوحة وأخرى مرخيةَ الجفن. ليس هذا ظلماً للثعالبِ، بل مدحاً لهم، حين ينامونَ وقلوبهم وعقولهم تتصارع بين الهَمِّ من أن يصطادهم من هو أقوى منهم ويهلكهم، وبين الهِمَم التي تدفعهم للأمامِ حين يرونَ فرصةً سانحةً لاصطيادِ الفريسة ليبقوا أحياء. ربما ليسَ الثعلب وحده هو من يتقلب بين هذينِ الحدين اللذين يفصلهما عن الحياةِ والموت حرفٌ واحد!
نحن البشر في كلِّ ما نقوم به نمشي بين هذين الحدين اللذين قلما التقيا؛ تارةً يدفعنا رجاء النصر على الحياة، وتارة يحثنا الخوفُ من الموت في كل ما نفعله. ليس هذا في الدنيا فقط، بل حتى في الآخرة يحدنا رجاء الجنة وخوف النار ألا تخرج أفعالنا عن هذين الحاميتين ونسقط في وادٍ نجهل أعماقه. قليلٌ من البشر هم من يستطيعونَ أن يشذوا عن هذه القاعدة، ويكون همهم الهِمم وكيف لا ينامونَ مطلقاً، وكأنهم في حربٍ من أجل الانتصارِ على العدو في الحرب الحقيقية، والعلم، والسعي نحو الرقي. في واقعِ الحياة لكل نائمٍ هناك مستيقظون كثر يريدون اللحاقَ به والفوز عليه، مبدأٌ لا يشذ عنه الأفراد والأمم. فمن أراد أن يبقى في المقدمةِ لابد أن يبقى يقظان أو في أقل الجهد ألا يغمض عينيه ويظن أن الناسَ قد ناموا كلهم!
بعيد أيامٍ تفتح المدارسُ والجامعات أبوابها، وتكون السبقةُ والجائزةُ الكبرى لمن يُصدق أسطورةَ الثعلب من أجلِ أن يكون في مقدمةِ المتسابقين في الحصولِ على أرقى الدرجات. هؤلاء الطلبة “الثعالب” هم من سيكملونَ مشوار الحياة نحو القمم بسهولةٍ أكثر من غيرهم. إن كنتَ أحدهم اليوم فلابد أن تكون إحدى عينيك على تلك اللائحة من الأسماء التي سوف يعلقها الأستاذ على باب الصف وفيها الدرجات، والعين الأخرى على ذلك الطالب الذي ربما هو من يكون أول اسمٍ فيها، يتصارع قلبك وعقلك بين متوازيي الهم والهمم فمن أراد شيئا لم يفته.
كثيرٌ من الحيوانات تجد في الليلِ ملجأً وملاذاً تصطاد فيه لأن طرائدها في غفلةٍ عنها ويمكنها الهربِ من صياديها بسهولة ولو تُركت تلك المخلوقات لغفتْ ونامت كما ينام طائر القطا، طرفا نقيضٍ بين الضياءِ والظلام، والهم والهمم، يُبقيان التوازنَ بين الحياةِ والموت ليس فقط في الغابةِ بل في واقعِ حياة الإنسان الذي يحتاجهما منذ أن يأتي إلى عالمِ الدنيا وفي عالمِ ما بعد الدنيا، بهما يرتقي الفردُ والمجتمعُ والأمة، ذلك الفارق الصغير الذي نضعه هدفاً لأنفسنا كل يومٍ ونرتقي به دون أن ندرك!