هل تشكل مواد التعبئة والتغليف خطراً على صحة الإنسان؟
إن من أكثر ما يثير “البلبلة” في أذهان الناس حول خطورة أي منتج أو مادة كيميائية هو إطلاق جوانب الخطورة من تلك المادة دون تحقيق أمرين أساسيين:
الأول: هو في أي حالة تكون تلك المادة خطرة أو سامة؟
الثاني: كم هي الكمية أو النسبة التي تسبب التسمم أو الخطورة من تلك المادة ؟
تعتبر البوليمرات المستخدمة في صناعة المواد البلاستيكية المخصصة لتغليف وتعليب الأغذية خاملة بوجه عام – شديدة الثبات – عالية المقاومة – ولا تمثل مخاطر على الصحة العامة بشكل عام، وهي مادة مفيدة ومهمة في حياتنا العصرية.
لكن عند سوء استخدامها أو عدم اتباع التعليمات والعلامات المدونة عليها، فإنها تدخل أجسامنا عن طريق الغذاء والماء والدواء وحتى الهواء لتحدث تلوثاً تراكمياً متزايداً مع الوقت أو حاداً لتصل إلى درجة التسمم أو إتلاف الأعضاء الداخلية للجسم.
فقابلية المواد البلاستيكية للتحلل وانتقال مكوناتها الداخلية للوسط الآخر “الغذاء” هو ما يعرف بالهجرة “MMigratio” سببت قلقاً لدى الناس.
كيف لا يكون ذلك ونحن نتعامل مع تلك العبوات بطريقة خاطئة أثرت على نمط حياتنا – ونتج عنها آثار صحية خطيرة.
وهناك أنواع عديدة من البلاستيك يصنف بعضه بالمواد المضرة للإنسان، ويستدل عليها من خلال الصيغة أو الأرقام التسلسلية الدولية المدونة على العبوة وهي :
1- بولي إيثلين تريبتالات (PETE )
2 – بولي إيثلين عالي الكثافة (HDPE)
3 – بولي فينيل كلورايد ( PVC )
4 – بولي إيثلين منخفض الكثافة (LDPE )
5- بولي بروبيلين (PP)
6 – بولي استايرين ( PS )
7 – خليط من جميع الأنواع ( OTHER ).
ولكل منه اسمه الخاص وتركيبه الكيميائي المحدد، والذي ينتج عنه مواصفات معينة تتناسب مع الغرض التي صنع من أجله.
والذي يهمنا هنا عبوات حفظ وتعبئة الطعام وتغليف الأدوية وقناني مياه الشرب.
وحتى لا يطول الحديث، سأتحدث اليوم عن ما تم تداوله قبل فترة عبر قنوات التواصل وما جاء فيه من تحذير لأحد أصناف عبوات التعبئة والتغليف المخصصة للأغذية، وتحمل رقم 6 حسب التصنيف الدولي، وهي مادة “البولي ستايرين” – PS – وهو مركب كيميائي عضوي تتكون بنيته الكيميائية من مجموعة الفاينيل المرتبطة كيميائياً مع حلقة البنزين، يحضر صناعياً باستخدام تقنية “البلمرة في المستحلبات”.
ومن خصائص تلك المادة – توفر الحماية – والصلابة – وخفة الوزن – ومقاومة الضغط – وتحمل الصدمات – وغير قابلة لنفود الماء- وقابلة للتدوير – إضافة لارتفاع درجة تحللها لتصل إلى 270 °م، كما أنها مادة آمنة وليس لها آثار على صحة الإنسان وسميتها منخفضة.
ومن هنا اختيرت المادة في تصنيع عبوات التعبئة والتغليف.
لكن متى تصبح مادة “البولي استايرين” خطرة على الصحة العامة؟
قبل الإجابة تواصلت شخصياً مع المعنيين من ذوي الخبرة والاختصاص بالهيئة العامة للغذاء والدواء بحكم أن مثل هذه النوعية من العبوات تخضع للفحص المخبري قبل فسحها لتقدير الهجرة العامة والخاصة للمادة المصنوعة منها العبوات وتم التجاوب مع تساؤلاتي:
إن مادة “البولي ستايرين” مدرجة ضمن المواد المسموحة في المواصفات واللوائح الفنية الخليجية، والتشريعات الأمريكية، والمجموعات الأوروبية بحيث لا تتجاوز حدود هجرة مكونات مواد التعبئة والتغليف عن (0.1ppm)، وأن مقدار الهجرة لمثل هذه المادة ضعيف جداً ولا يكاد يذكر، تصل إلى (0.005ppm).
• إن النظرة العلمية وللوهلة الأولى تقول “طالما أننا لم نستعمل العبوات البلاستيكية في أغذية ساخنة أو مثلجة فلن ينتج عنها هجرة للمادة المعبأة”.
• مسألة أن هناك بعض الملدنات أو مواد كيميائية تنتقل من عبوات التعبئة والتغليف إلى الأطعمة في الظروف العادية صحيحة ولكن لا يمكن القول بخطرها على الصحة لأن مقدار الهجرة يقع في إطار ضيق وطبيعي.
ومن تلك النظرة فإن مادة “بولي استايرين” (PS) تكون خطيرة إذا سخنت أو وضع فيها طعام ساخن، فالتسمم يأتي من مقدار هجرة مكوناتها إلى الغذاء.
فتعريض مواد التعبئة والتغليف للحرارة العالية أو البرودة المنخفضة يؤدي إلى كسر الروابط الكيميائية وإنتاج مواد ملوثة وسامة كمادة الديوكسين “Dioxin” المسرطنة، ومركبات ثانوية خطيرة عالية السمية.
وحتى لو اخترنا البدائل كالعبوات الزجاجية أو الفخارية حسب توصية المتحدثين في قنوات التواصل، فإن تلك الأواني معرضة أيضاً للتلوث بالمعادن الثقيلة كالكادميوم والرصاص والزئبق وغيرها إذا كانت رديئة الصنع.
المهم هنا التقيد بخصوصية كل مادة نستخدمها لأغراض التعبئة والتغليف من ناحية خواصها وجودتها وكيفية التعامل معها.
• من منا حاول الاطلاع على العلامات المدونة على عبوات التعبئة والتغليف – واستدل على فهم معانيها؟
تلك العلامات هي اصطلاح عالمي يشير إلى صلاحية المادة وجودتها والغرض التي أعدت له، نرى بعض المصانع تتقيد بتدوين تلك العلامات بينما البعض الآخر خلاف ذلك.
• كثير من المستهلكين لا يهتمون بقراءة التعليمات المدونة على عبوات التعبئة والتغليف، نحن بحاجة إلى الثقافة الغذائية التي تتمثل في فهم الرموز والمصطلحات الغذائية المدونة على البطاقة لتساعدنا على تمييز الأنواع والأصناف واختيار الجيد منها، ومن ثم نحمي أنفسنا من المشاكل الصحية والاستعمال الخاطئ لتلك العبوات والمغلفات.
وعلى أية حال على المستهلك مراعاة الآتي:
• إن سلامة عبوات التعبئة والتغليف المصنوعة من المواد البلاستيكية تعتمد على نوع وخواص المادة وتصنيفها دولياً، فلا خطورة من استخدامها عندما نلتزم بالتعليمات المدونة عليها وخصوصاً علامة الصلاحية “Food Grade”، كما أن العبوات البلاستيكية بشتى أنواعها غير مخصصة للأطعمة الساخنة أو إدخالها في أفران الميكروويف.
• وفي مراكز التسوق نتأكد من وجود علامات الصلاحية على العبوات والمغلفات قبل شرائها لكونها دليلًا على سلامتها وصلاحيتها.
• تتأثر مواد التعبئة والتغليف بظروف التخزين السيئة من حرارة وأشعة الشمس المباشرة ومواد التنظيف والمطهرات، مما يؤثر على صحتنا في حالة استخدامها.
• تعريض كراتين عبوات مياه الشرب المعبأة للحرارة أو سوء تخزينها، (وهذا ما نلاحظه في بعض محلات التجزئة أو الأسواق الشعبية، ونرى إقبال الناس على شرائِها من أجل أسعارها المخفضة)، تؤدي إلى هجرة المادة البلاستيكية إلى المياه وتسبب مشاكل صحية خطيرة قد تكون سبباً (بقدر من الله) لعدد من أنواع السرطان والأمراض المستعصية.
• كما يفضل استخدام الورق المشمع الذي يلف به الفطائر والمعجنات كمادة عازلة بين الغذاء ومادة التعبئة لمنع هجرة أي مادة غريبة للغذاء.
وأخيراً فإن عبوات التعبئة والتغليف الحديثة تخضع لمراقبة مستمرة وصارمة من قبل الجهات المعنية، والتي تتمثل في الفحص المخبري بمختبرات الهيئة العامة للغذاء والدواء، أو إرفاق شهادة فحص من مختبرات معتمدة، أو الاثنين معاً، كل ذلك من أجل سلامة المستهلك.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.