
ليتنا كنا نمتلك كاميرات نوثق بها تلك الفرحة، ونطبع بها ذكريات من حنايا قلوبنا، ونلونها بكل ألوان السعادة والبراءة، أمنيات أهل أول الذين تحدوهم ذكريات عيد الأضحى إلى زمن التواصل والبهجة بالعيد، فهو ليس كأي يوم.
60 عامًا أو أكثر لم تمح من الذاكرة تفاصيل عاشها أهل القطيف في العيد، يتذكرها معنا العم عبدالله آل زيد “أبو نبيل” الذي أوضح لـ«القطيف اليوم» أن تجهيزات العيد كانت تبدأ قبل العيد بوقت طويل، وفي ليلة العيد كان يتم تجهيز ملابس العيد الجديدة من ملابس داخلية وثوب، ويقول: “كنا ننتظر كأطفال أن يلوح الصباح فننطلق إلى عدة مناطق منها الجبلة، والطريق البراني، والبراح، وكنت ألاحظ أن أبواب القرية كلها مفتوحة، والآباء يجتمعون، ويشربون القهوة والتمر، وكنا نلهو كأطفال ونشترى ما يعرضه الباعة من حلوى وألعاب، وكان الشعور بالعيد هو أهم سمات العيد، فالعيد الكبير، أو عيد الأضحى يوم كله فرح وبهجة”.
ذبح الديوك
ويذكر الحاج أبو نبيل أنهم قديما كانوا يذبحون “الديوك”، لأن الدجاجات لم يكن مباح قتلها بأوامر سيدات البيوت، فكل امرأة لديها دجاجة تعتبرًها كنزًا ثمينًا، لأن الدجاجة تبيض وهي تنتفع منها ببيع البيض، ولذلك يمكن التضحية بالديك لكن الدجاجة فلا.
ويقول: “كان والدي رحمه الله يقوم بالذبح، ففي يوم العيد كان يصطف الصغار كل يحمل ديكًا أو أكثر ليذبحه، وكان الوالد سريعًا في الذبح، ويلقى بالديك بعد ذبحه، ليثب كل واحد خلف ديكه ويعود به لأمه، ولكننا لم نشهد ذبح الأضاحي من الغنم والبهائم”.
عيدية 4 قروش
وتحدث عن العيدية مبينًا أنها كانت عملة معدنية من فئة القرش، وكانت تصل إلى أربعة قروش، وكانت هناك سعادة عارمة عندما يعود كل واحد بمبلغ “عيدية” من أخواله وأعمامه والجيران، مشيرًا إلى أن الوضع المالي للناس الآن قد تحسن، فأصبحت العيدية تتعدى المائة ريال، والمبلغ الآن يبدأ من خمس عشرة ريالًا يتدرج بحسب عمر الطفل، وحسب الوضع المالي.
رحلة بريال
ولا تتوقف سعادة الحاج أبو نبيل عند العيدية وملابس العيد ومشهد ذبح الديوك، الذي ذكر أن عيد الأضحى كان يحمل مفاجأة كبرى لأطفال الحباري التي ينحدر منها، فيقول: “عندما كنا أطفالًا كنا ننتظر العم علي الحمادي الذي كان يحملنا في باص كبير ليصطحبنا إلى رأس تنورة وكنا ندفع له ريالًا واحدًا، ونفطر في مطعم وندخل سينما، ونعود عند العصر إلى الظهران، ونتناول الغداء في سعودي كامب، ونعود فرحين، لأننا لم ندفع سوى ريال واحد مقابل كل هذه الفسحة”.
وأكد العم آل زيد أنه حزين لأن هذه الذكريات الجميلة لم توثقها عدسة الكاميرا، وأوضح أنه لم يكن هناك تصوير، أو توثيق لهذه اللحظات الجميلة ليتعرف الأولاد والأحفادنا على ما كان يعيشه الآباء والأجداد من بهجة في الماضي.
العيد الآن
وأضاف أنه رغم أن العيد الآن ليس على نفس القدر من بهجة الأيام الأولى إلا أن مودة أهالي البحاري تصنع فرحة العيد، والتي يقول عنها: “الآن في البحاري نقيم بعد صلاة العيد في النادي، حيث يجتمع الناس على إفطار وكلمات محبة وإخاء وسلام، وفي اليوم الثاني نجتمع في مجلس آل بطي ومعايدة الأهالي على بعضهم البعض في جو من الألفة والمحبة، ونتمنى أن تطبق هذه المجالس في كل قرى المنطقة، حتى يتمكن أهالي كل قرية من معايدة إخوانهم في القرى المجاورة، وتكون القطيف كلها مجتمعة في العيد”.
كبدة الأضحية
ويقول الحاج علي آل محيميد: “العيد الكبير كان يتميز بالذبح، فكنا كأطفال نلتف حول مَنْ يذبح، ويحلق الأطفال يحاولون أن ينالوا من الكبدة أو الكرشة، أما الآن فلا يوجد من يذبح، وأصبحوا يتوجهون للمطاعم”.
دوخلة العيد
ويسترسل آل محيميد قائلًا: “في العصر كنا نطلع إلى البحر بين النخيل، ونمسك بـ“الدوخلة” ونغمرها بالماء، ونهزها، ونحن ننشد الأهازيج الخاصة بالحجيج، والدوخلة عبارة عن سلة من الخوص، كان يعكف الأطفال الذين سافر أهاليهم إلى الحج على صنعها، حيث كان يستغرق الحج عدة أشهر، ويضعون بها روثًا وبذورًا، إلى أن يأتي يوم العيد وتكون قد أنبتت، ونطلع بها كأهالي، ونغمرها بالماء ونهزها حتى نقذفها فيه ونحن نردد: دوخلتي حجي بي لين إيجي حبيبي. حبيبي راح مكة، مكة المعمورة فيها الذهب والسلاسل نورا. حجيت بك يما. وريتش قبر محمد. محمد (عليه الصلاة والسلام)”.
الساحة الكبرى
ويضيف أن أجواء العيد كانت ممتعة ومبهجة وكانوا ينتظرون العيد ليخرجوا من العصر وحتى المغرب، مقترحًا أن يتم الآن العمل على تعميق التآلف بين الجميع، ويقول: “بدلًا من الرحلات إلى خارج المنطقة، اقترح أن يكون هناك تزاور بين المناطق ليتآلف الجميع، أو أن تكون هناك ساحة كبرى يتجمع بها أهالي القطيف من كل القرى ليتبادلوا التهنئة بالعيد”.
فيديو..