خطر على بالي

مساء الخير حيث المساء رطوبة الروح وطراوة الوقت, أبحرت بأفكاري إلى الصباح حيث الهدوء اللاهب مثل صيف القطيف, فا أنا أشعر بالاختناق من لهيب الصيف القائظ ,أحاول هنا أن أمٌرن ذاكرتي كي أمسك الأفكار بيدي.
ما رأيك أيها القارئ أن نختار يوما ديمقراطيا, لنتقاسم كوبا من القهوة لنحلق معا بأفكار من زوايا مدهشة, فلتعذرني إن حملت مقالي هذا على كفي, حيث أحاول الكتابة على زوايا التجديد بذكاء حد الحياء, فلمقالي ميزته الخاصة يأخذ أشكالا متعددة بين الهدوء والصفاء واللون الأسمر, ولعلني هنا أكتب ما أشاء دون أن يلمحني احد, أحاول على استحياء أن لا أقول إنني إنسانة خارج نطاق التغطية, بدأت أكتب دون أن أحتسي قهوتي ولقد شد انتباهي دفتر ذكرياتي لا زال مفتوحا والقلم يكتب بقلبه السائل, فيا عجبي من هذه الدنيا تأخذ كل من نحب, وكلما تمسكنا بها عاودت بقهرنا, وإن كنت مدثرة بالخجل والتحفظ والصمت, سأقول لك أمرا بمنتهى التلقائية والصدق, عندما نحب نسمع صوت الوجود صوت الحياة, حينها يظهر جمال الكون من حولنا دون استئذان, وإذا كان القلب أخضر ومحب ويأبى أن يشيخ, ليعيش بين الصحوة والإغفاءة ويتنقل بين الواقع والخيال.
لقد شغل تفكيري كثيرا أمرا هو : مسألة تراب مدينتي القطيف أفكر في حمل حفنة من ترابها, إذا ما بعدت عنها حيث لا طاقة لي على فراقها فإذا ما أصبت بأرق في ليالي الغربة, سأضعه تحت وسادتي حتى أنام بعمق وربما أضعه في جيب حقيبتي, واعتبره أجمل العطور وأسميه عطر القطيف, ولعل الطيور التي ترقد على قارعة السماء تشم رائحة العبق لتراب أرضي,لتبقى القطيف خارج حدود الزمان والمكان, ومن يقرأني لا يتصورني أبعد عن ظل نخيل القطيف, التي هي حلمي الأول ووسادتي الأولى, فما عسى أن أفعل ولكنني أؤمن بمقولة والتي تقول : أن العالم يبدأ من عتبة بابك.

لا أبالغ لقد صادفتني ثلاث مكالمات هذه الأيام, تسألني عن سر إتقاني وإدماني صياغة كلام الحزن, وهنا أرد عليهن إنه الوفاء أو الحزن ذاته على من نفقد, حيث فراق الموت أقسى فراق في الوجود, إنه باب مرصود, وحتما كم من الشجون هاجت وارتجفت في داخلي, ليت القارئ يقنع بما أكتبه ولعلني أجعله يقتنع بصدق إحساسي, فالكتابة عن الموت أو الرثاء ذاته, لحظة توهج لشخوص وتاريخ وزمان ولكن في الماضي دون حاضر, وما أجمل الحرف حين يوازي صدق أحزاننا!
أخاف كثيرا من مشاعري وتنام الآه على أوراقي, حيث أنسى نفسي في زحمتها وأحيانا أفتح لنفسي غيمة للبكاء, رغم إنه لا يوجد في حياتي ما يخيفني فأنا لي شعار ممنوع التشاؤم والفشل, لندخل أروقة الصدق ونتسلق لحظة الإنعتاق,يا ترى من يخاف أن يغسل وجهه برذاذ الصدق والطهر,وإلا سأكون نخلة سيئة التمر أو نسيتم بأنني بنت القطيف! وهذا ما يزيدني جمالا وعشقا في داخلي, وليجرب من لا يعيش على ارض القطيف أن يحظى بالعيش فيها, وحينها سيعذر إحساسي وفخري وهيامي بها.
ارتأيت من خلال عملي الاجتماعي أن أوثق بعضا من العلاقات الحميمة, التي تربطني بالكثير من أشخاص وشخصيات , حيث تركوا لي في الأخير شيئا ملائكيا ظل محفورا في ذاكرتي ولم يغادرني, والتحفت بتلك العلاقات بلحاف الحب والاحترام والذكرى الطيبة, فلا يمكن أن أتخيل نفسي ضمن إطار ضيق أو فضاء مغلق, ما دمت محاطة بكوكبة ممن اعرف وأحب, ففي إحدى المرات تسألني إحداهن لو اخترت لك اسما آخرا ماذا تسمي نفسك, يا إلهي وإن صار ماذا سيضيف لي اسمي! ولكن أود أن أختار لي عمرا آخرا رغم إنني واقعية حد الدهشة.
أتمنى يا عزيزي القارئ ألا أكون أكثرت من الكلام كعادتي, وإلا سيعاتبني ضميري على تفريطي في سرقة وقتك بقراءة ما أكتبه, رغم حضورك ينثر على سطوري عبق من المسك, حيث يغمرني فيض كرمك ويعجز لساني عن إيجاد كلمات تليق بك امتنانا, داعية ربي أن يبقي القارئ لي ذخرا يحرضني على التفكير وحسن الحوار معي, تحية لكل قارئ مخلص أبدع في قراءة مقالاتي.
سأنهي مقالي هذا ولن يبقى لي من كل تلك اللحظات, سوى لحظة صدق وسط زحام كلماتي وكوبا من القهوة لعلني ألمح خارطة القطيف تطفو فوق رغوة قهوتي.


error: المحتوي محمي