تكثر في الصيف الولائم والحفلات، يُقَدَّم فيها ما لذ وطاب، يهمنا هنا حفلات الأعراس، ودعوة الناس لتناول وجبة العشاء، بوفيه مفتوح على مائدة الاحتفال، بصحة وشهوات لذة الطعام.
هو ما دفعنا لأن نتعرف على مأمونية وضوابط البوفيهات، ومطابقتها للوجبات الصحية حتى لا نقع ضحية التسممات، وهذا ما لا تحمد عقباه.
أصبحت ظاهرة البوفيهات المفتوحة ملازمة لحفلات الزواج، ففيها تجهز وترص الأطباق، بأشكال جذابة وتنوع المأكولات، ليتناول كل مدعو ما يرغب من أصناف، وشهية وطيب المذاق.
لا بد لنا من وقفة هادئة نناقش فيها الجوانب الإيجابية والسلبية للبوفيهات المفتوحة، ونتساءل عن الموقف الذي يجب أن نتخذه تجاه معالجة السلبيات، والوقت في حاجة إلى أن نسدد ونقارب كل الحيثيات، من أجل مصلحة وصحة الناس.
حضرتُ مند أيام حفل زواج، فهالني ما شاهدته من عبث وفوضى وتجاوزات، ولم يكن ذلك على المعتاد، أسفت لهذه المشاهدات، ولا اكتمكم أن شيئاً من الضيق والخجل انتابني، ولديَّ بعض التحفظات، وسأكتفي بهذا الكلام القصير العائم، ولن أدخل في توضيح أكثر حتى لا أتعرض من جراء الكلام بأي نوع من أنواع سوء الفهم والاتهامات، إلا أنني خرجت من ذلك المكان وملابسي من الخلف طالها شيء من الألوان، من كثرة ما نالها من أوساخ، نتيجة زحام المصطفين وسوء التصرفات، التصاق طبق أحدهم المليء بالطعام والمغمور بالصلصات، أحسست أن شيئاً كان يدفعني إلى الأمام، برغم أنني كنت في طابور الانتظار لتقديم التهاني والتبريكات.
جئت اليوم لأناقش شيئًا من تلك التجاوزات لعل في ذلك ما ينتهي إلى العلاج.
الموضوع في رأيي ذو شقين، شق يتعلق بالتنظيم، وشق يتعلق بالصحة العامة.
أولاً – فإذا نحن أردنا أن نبحث أمر التنظيم، فيحسن بنا قبل أن نتعمق في ذلك، أن نتعرف على أعداد المدعوين، وحجم الطلبات، والنمط الاجتماعي السائد، أو ما تعارف بين الناس وساروا عليه في هكذا مناسبات، حتى لا نكون قد شاركنا بشكل مباشر أو غير مباشر في ظاهرة الإسراف والميل إلى البذخ والتبذير وعدم الاكتراث، وهدر كميات من المأكولات ومصيرها في النهاية إلى سلة المهملات، فلا يحسب حساباً لغضب الله عز وجل، ولقيمة النفقات {… وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} سورة الأعراف الآية 31، فالمهم هنا الإطعام بلا حدود، خوفاً من التقصير، والظهور أمام المدعوين بمظهر التميز والكرم وحسن الضيافة وأحاديث القيل والقال.
ولكن علينا في أول الأمر أن نعرف بالضبط ما تعنيه الدقة في التنظيم.
من المسلم به أن الإنسان يهتم بالسلوكيات الإيجابية، ويعطيها مركز تقدير، وقيم مثالية، وحركة مستمرة خاضعة لسنن التغيير والتبديل، ليخترع لنفسه معارف وثقافات ونجاحات ترفع من قيمته التنظيمية.
هذه باقة من التوجيهات نقدمها لمتعهدي بوفيهات الحفلات والمناسبات:
• تحضيرات البوفيه المفتوح تبدأ بحسن اختيار المكان، لدوره الكبير في سلامة الغذاء، بأن يكون الموقع واسعاً ومنفصلاً ومخصص للضيافة بعيداً عن مصادر التلوث والغبار المثار، والجو المشتعل بالهواء الحار.
• ينبغي عند تقديم الطعام ضمن بوفيه مفتوح، الحفاظ على الطعام ساخناً في أطباق حرارية، بوضعه على طباخات بطيئة، وصواني الاحتباس الحراري.
وللحفاظ على برودة الأطعمة الباردة نضع الأطباق تعشش في أوعية من الجليد أو استخدام صواني خدمة صغيرة واستبدالها أكثر من مرة.
• يجب ألا تترك الأطعمة السريعة التلف والفساد كاللحوم والدواجن ومنتجاتها.. أكثر من ساعتين في درجة حرارة الغرفة، أو ساعة عندما تكون درجة الحرارة فوق 22.2م°.
• حاويات الأطعمة المعدنية أو الزجاجية أو الصحون الخاصة بتجهيزات البوفيه مزودة بأغطية شفافة ومحكمة.
• الأطباق وصحون التعبئة البلاستيكية أو القصديرية أو الورقية وأكواب ومعالق البلاستيك المجهزة للبوفيه، ذات مواصفات جيدة ومخصصة للأطعمة الساخنة حتى لا يترتب على ذلك أضرار.
• عدم إطالة الفترة الزمنية الفاصلة بين الطهي مروراً بالتجهيز والإعداد ودعوة المدعوين حتى لا تتعرض الأطعمة للتلف والفساد.
• الخدمة الإدارية والإشرافية والتشغيلية يجب أن تتناسب مع أعداد المدعوين وحجم البوفيه.
ثانياً – وفيما يتعلق بالصحة الوقائية وسلامة الطعام، يتعين علينا أن ندقق بطبيعة ونوعية الأطعمة، ونختار منها الجيد والمناسب لضمان سلامتها، خصوصاً ونحن نعيش في ظروف حارة.
• اختيار جهات تشغيلية متخصصة في الحفلات والمناسبات، تتميز بالجودة العالية والخدمة الجيدة والنظافة الفائقة والسمعة الطيبة لضمان جودة وسلامة الغذاء.
• الاهتمام بالسلامة الصحية والشرعية للحوم والدواجن الطازجة والإضافات الغذائية الحلال “أكل الطيبات”.
• التأكد من غسل الفواكه قبل تجهيزها وعرضها على المدعوين (أكاد أجزم أن معظم البوفيهات تهتم بتقديم الفواكه الطازجة على شكل باقات ورد جميلة دون تطهيرها وغسلها بالماء الجاري، تؤكل مباشرة، وهذا نوع من الاستهتار واللامبالاة بصحة الناس).
• ينبغي أن تُكلف عمالة متخصصة من أجل غرف الأطعمة وملء الأطباق حسب رغبات المدعوين، ملتزمين بالمظهر الصحي اللائق والزي النظيف المناسب، لضمان سلامة الغذاء.
ما نشاهده الآن في حفلات الزواج والتي يتم معظمها في المجالس العائلية أو الحسينيات، لا تتناسب مع متطلبات هكذا مناسبات، وإذا صرفنا النظر عن الازدحام الذي أصبح شيئاً لا يطاق، الوقوف الطويل في طوابير الانتظار من أجل تقديم التهاني والتبريكات لأصحاب الاحتفال، فالصورة الحية التي من أجلها معالجة سلبيات البوفيهات المفتوحة في أماكن لا تتسع لاستقبال المدعوين وضيافتهم، سببت الكثير من الخيبات.
المكان لا يستوعب تحضيرات البوفيه وحجم المدعوين، وقد كانت تلك – حقاً – هي النقطة التي أخطأ فيها المعنيون والمشرفون على الترتيبات.
• نرى صورة حاويات المأكولات والأطباق التي وضعت على منصة الضيافة، تفوح منها رائحة الطبخات وانتشارها في أجواء الاحتفال.
• تزاحم الحضور وحركتهم وتدافعهم وأنفاسهم في مكان لا يتسع حتى لمراسيم الزواج.
• تجمع الكثير من المدعوين حول منصة البوفيه بطريقة غير منظمة شكلت صورة على ما يبدو لا تعجب الكثير من الناس.
• ترك العنان للأطفال للعبث واللعب بالمأكولات دون وجود ضوابط، مما قد يترتب على ذلك تناثر الأطعمة، وتركها مكشوفة، وهذا فيه إساءة لمحتويات الطعام، ومظهره الجذاب، وقد تعرضه للتلوث والفساد.
• ينتاب بعض المدعوين الملل والسأم لبقائهم وقتاً طويلاً في طابور الانتظار، وأثناء مرورهم بجانب البوفيه، نراهم يمدون أيديهم في أطباق البوفيه لتناول قطعة من فطيرة أو غيرها ليشغل فمه، وليعمل على قضاء الوقت، قبل السلام وتقديم التبريكات.
• فرش سماط المائدة في الممرات وجميع الأركان، والجلوس لتناول الطعام، مما قد يتسبب في إعاقة حركة المدعوين ويزيد من التدافع والازدحام ويؤخر السلام والتهنئة على أصحاب الحفل والمسرات.
قدمت كل هذا لأقول: ليست كل البوفيهات المفتوحة تستحق مقتنا أو ازدراءنا – وليس من حقنا أن نحكم بسلبياتها، وقد تكون محاولة عابثة، ما دامت تخضع لمقاييس صحية وتنظيمية صحيحة.
يأتي الآن السؤال المهم، وهو كيف نتجنب مخاطر البوفيهات المفتوحة في غمرة الزحام والمكان والضغط والاصطفاف والتدافع في حفلات الزواج.
الجواب ببساطة هو أن نستبدل هكذا بوفيهات ونستعيض عنها بالنواعم على هيئة فطائر ومعجنات ومقليات وموالح وحلويات ومكسرات ومشروبات، وتقدم للمدعوين على شكل ضيافة.
ربما بعض الناس لا يعجبهم مثل هذا الاقتراح، لا يشبع رغباتهم إلا المأكولات الدسمة والمفطحات.
ونحن لسنا ضد هذا التوجه في حالة توفر المكان المناسب الذي يضم جميع التجهيزات والخدمات والمرافق التابعة لها، وهذه لا تتوفر إلا في صالات الأفراح والاحتفالات.
ولعل من الخير ما لمسناه من قرار حكيم من إدارتي حسينية السنان ومجلس المبارك بمنع البوفيهات المفتوحة، والاكتفاء بالمرطبات والمأكولات الخفيفة التي تقدم على شكل ضيافة، خطوة موفقة، وقرار لم يأتِ من فراغ، بل لقد ولد ولادة طبيعية نتيجة لما رأته من آثار خاطئة، أساءت لنعم الله سبحانه، والمكان، وعشمي أن نرى بقية المجالس تسير في هذا الاتجاه، هي خطوة جديرة بالتطبيق والاهتمام، وتخدم المصلحة العامة، وعلى الله قصد السبيل.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.