{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}
عليكم أن تعيشوا ذواتكم وأن تمشوا خطاكم بدل أن تعيشوا حياة الآخرين، إننا نعيش حالة خطيرة تسلبنا سعادتنا وذلك بمراقبة الآخرين كيف يعيشون وماذا يصنعون وكم هي مقدار ثروتهم! الإنسان في هذه الحالة سيعيش بألم و حزن وسيكرر في داخله لماذا الآخرين أرفع مستوى وأرفع مقاماً مني!! لماذا فلان هذا لديه سيارة!! وأنا لا أملك وغيره عنده ثروة وأنا لا!! يدمر بذلك حياته وينتهي به إلى الكآبة، حيث الكآبة من أمراض هذا العصر، فنرى القلوب ميتة والبسمة انمحت من الشفاه، والفرحة ليست موجودة في القلوب، وأهم أسبابها هي العيش حياة الآخرين، من خلال قراءتي لكتاب المرحلة الملكية للمؤلف الدكتور خالد المنيف مرَّت عليَّ قصة جميلة وفيها عبرة، القصة نتعلم منها كيف نثمن الموجود لدينا ونقدره و أن نتخلى عن المفقود الذي لا نملكه وألا نتعلق به.
أحداث القصة تتحدث عن ملك لديه الكثير من القصور والبساتين والجواري، وكان ذلك الملك يحكم الملايين من البشر ومع ذلك كله لم يكن يشعر بالسعادة بل كان دائماً مبتئساً وحزيناً، وكان لديه خادم يكون معه نصف اليوم والنصف الآخر يعود ذلك الخادم لعائلته، لاحظ الملك أن ذلك الخادم كان يعيش سعيداً ومبتهجاً والابتسامة لا تفارقه أبدًا، وكان يرجع لأهله نهاية اليوم بكل شوق ويتناول طعامه معهم ويلاطفهم ثم ينام بهدوء، ظل الملك يتساءل في نفسه ما سر سعادة ذلك الخادم! ولماذا أنا الملك لا أنعم بربع راحة هذا الخادم وسعادته!
استعان الملك بمستشار له ذو خبرة وسأله عن تلك المفارقة، ورد المستشار بعد تفكير عميق: جرب معه قاعدة “٩٩”، قل لخادمك سأُهديك صرة فيها ١٠٠ دينار، ثم أرسِلْها له مع فلان (رجل معروفا بالأمانة)، ولكن في الحقيقة ضع له ٩٩ دينارًا وستندهش من نتيجة ما سيحدث وبعدها ستعرف الإجابة عن تساؤلاتك أيها الملك الموقر! فأمر الملك بتنفيذ قاعدة “٩٩” فوراً.
ما حدث بعد ذلك هو أن الخادم استلم صرة النقود وعندما عدَّها وجدها ناقصة ديناراً واحداً فعدَّها مرة أخرى، وأيقظ أهله ليساعدوه في البحث عن الدينار المفقود فربما سقط بجوار بيتهم، وقضوا ليلتهم الباردة بالبحث في الطرقات المجاورة، وابتأس الخادم وحزن بسبب فقده للدينار، حيث طلع عليهم الفجر ولم يجدوا ذلك الدينار، وفقد الخادم أعصابه ووبخ أهله ولامهم على ضياع الدينار، اختفت ابتسامة ذلك الخادم وذهب لقصر الملك وهو مجهد من السهر ومتكدر بسبب فقده الدينار، عندها أدرك الملك معنى مبدأ “٩٩”، حيث الخادم لم يقدر كونه يملك ٩٩ ديناراً وعلق سعادته على الدينار المفقود مع أن ٩٩ أكبر بكثير من الدينار الواحد.
لقد كان سبب شقاء الملك هو التركيز على ما فقده دون أن يثمن ما هو موجود لديه ويملكه، وهذا ما يجعل من الإنسان سجين هم وشقاء، لتكن سعيداً عليك بمبدأ الاستغناء، فإن صعب عليك امتلاك بيت كبير فأخرج الفكرة من عقلك وانسها، وإن لم تحصل على المركز في الوظيفة التي تناسب شهاداتك وطموحاتك فلا تكثر التفكير فيها فإن بقاء تلك الأمنيات في رأسك يعيق تقدمك للأمام ويجعل منك إنسانًا قلقاً وممكن أن يتسبب هذا في شقائك.