عمرة التمتع.. عرض وأحكام

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ} [البقرة: 196]…

بعد أيام يسارع حجاج بيت الله الحرام نحو مكة المكرمة مُلبين النداء الإبراهيمي:
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. [الحج: 27]…
أَخبِرِ الناسَ (يا إبراهيم) أن عليهم أن يحجوا البيت الحرام، فيأتوه راجلين.. ماشين على أقدامهم، أو على الإبل الهزيلة التي ضمرت، من كل طريق ومكان ومسلك بعيد.

وأَخذ المؤمنون يلبون هذه الدعوة الإبراهيمية مذ أن سمعوا صداها يتردد في الآفاق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومَن يريد الحج يجب عليه أن يتعلم أحكامه، وهي وإن كانت كثيرة، فلا يسع المكلف العادي الاطلاع عليها بجميع تفاصيلها، إلا أنه مطالب بمعرفة الحد الأدنى منها؛ لتطابق أفعاله الأحكام الشرعية؛ فيصح حجه.

قال الفقهاء: إن وظيفة من يبعد عن مكة 16 فرسخًا (88 كم تقريبًا) هو حج التمتع، وهو يتكون من عبادتين:
1- عمرة التمتع.
2- حج التمتع.
وكل واحدة منهما فيها إحرام مستقل وأعمال خاصة.
وسوف نقتصر في بيان أحكام عمرة التمتع في هذه المقالة القصيرة، آملين أن نتبعها بمقالة أخرى لبيان أحكام حج التمتع، إن شاء الله تعالى.
عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف أتمتع؟
قال: تأتي الوقت (أي الميقات وهو مكان الإحرام) فتلبي بالحج، فإذا دخلتَ مكة طفتَ بالبيت، وصليتَ ركعتين خلف المقام، وسعيتَ بين الصفا والمروة وقصَّرتَ وأحللتَ من كل شيء، وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج. (وسائل الشيعة، الحر العاملي 9 / 31).
وعنه، عن أحمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: لَبِّ بالحج وانوِ المتعة، فإذا دخلتَ مكة طفتَ بالبيت وصليتَ الركعتين خلف المقام، وسعيتَ بين الصفا والمروة وقصَّرتَ. (وسائل الشيعة، الحر العاملي 9 / 31).

أعمال عمرة التمتع على نحو الإجمال:

1- الإحرام.
2- الطواف حول البيت سبعة أشواط.
3- صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام).
4- السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط.
5- التقصير.

أما الإحرام فيكون في الميقات الذي تمر عليه في طريقك إلى مكة المكرمة: قرن المنازل/ الجحفة/ مسجد الشجرة، وأجاز بعض العلماء الإحرام من مدينة جدة بالنذر.

وواجبات الإحرام ثلاثة:
1- لبس ثوبي الإحرام للرجال بعد التجرد من ملابسه تمامًا، أما النساء فيحرمن في ملابسهن الاعتيادية، بشرط أن تستر جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين، والأفضل لهن الإحرام في ملابس بيضاء.

2- النية، وهي الحضور القلبي بأن هذه عمرة التمتع يؤتى بها قربة إلى الله تعالى من دون رياء ولا سمعة، ولا بأس بأن يقول الحاج/ الحاجة:
أحرم لعمرة التمتع لحج التمتع حج الإسلام قربة إلى الله تعالى..
وتتغير قيود النية بتغير نوع الحج من كونه مندوبًا أو نيابة أو نحو ذلك.

3- التلبية، وصورتها:
“لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمدَ والنعمة لك والملك لا شريكَ لك”.
وتجب مرة واحدة فقط، في الميقات، ويستحب تكرارها. عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “مَن لَبَّى في إحرامه سبعين مرة إيمانًا واحتسابًا أشهدَ اللهُ له ألفَ ألفَ ملكٍ ببراءة من النار وبراءة من النفاق”. (الكافي، الكليني 4 / 337).

محرمات الإحرام

فإذا جاء الحاج بهذه الأمور الثلاثة انعقد إحرامه، وحرمت عليه مجموعة من المحرمات، وهي ستة وعشرون محرمًا:

الصيد البرِّي – مجامعة النساء – تقبيل النساء – لمس المرأة إذا كان بشهوة – النظر إلى المرأة بشهوة وملاعبتها -الاستمناء – عقد النكاح -استعمال الطيب – لبس المخيط للرِّجَال – الاكتحال -النظر في المرآة بغرض الزينة – لبس الخف والجورب للرِّجَال – الفسوق وهو الكذب والسب والمفاخرة “المحرمة” – المجادلة – قتل هوام الجسد مثل القمل – التزيّن – الادِّهان واستخدام الكريمات – إزالة الشعر من البدن – ستر الرأس للرِّجَال – ستر الوجه للنساء -التظليل للرِّجَال – إخراج الدم من البدن – تقليم الأظافر -قلع الضرس على قول – حمل السلاح – قلع نبات الحرم.

الواجب الثاني: الطواف
وفيه شروط، وواجبات.
أما شروطه فهي:
1 – النية: بأن يقصد الطائف القربة مع الإخلاص، فيقول مثلًا: أطوف حول البيت سبعة أشواط لعمرة التمتع لحج الإسلام قربة إلى الله تعالى.
ولا يشترط فيها التلفظ بل يكفي فيها القصد القلبي.
2 – الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر.
3 – طهارة الثوب والبدن من النجاسات.
4- الختان للرجال.
5 – ستر العورة حال الطواف.

أما واجبات الطواف فهي:
1- الابتداء من الحجر الأسود والانتهاء به في كل شوط.
2 – جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطواف.
3- أن يطوف خارج حجر إسماعيل (عليه السلام)، دون أن يدخل فيه.
4- أن يطوف خارج الكعبة وخارج الصُفّة التي في أطرافها والمسماة بـ (شاذروان الكعبة).
5- أن يطوف حول الكعبة سبعة أشواط من دون زيادة ولا نقصان.
6- أن يكون الطواف بين البيت ومقام إبراهيم (عليه السلام)، على رأي بعض العلماء.
7 – أن يكون الطواف متواليًا دون فصل كثير بين أجزائه.

الواجب الثالث: صلاة الطواف خلف مقام إبراهيم (عليه السلام).
وهي ركعتان يؤديهما الحاج خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، يقرأ فيهما ما شاء، لكن يستحب في الركعة الأولى أن يقرأ بعد الفاتحة سورة التوحيد، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الكافرون.
بعدها يتوجه الحاج إلى شرب ماء زمزم ويصب على رأسه وعلى صدره منه، داعيًا الله قضاء حاجاته الدنيوية والأخروية، ففي الخبر عن الصادق (عليه السلام): “ماء زمزم لما شُرِبَ له”. (جامع أحاديث الشيعة، البروجردي 10/ 39).

الواجب الرابع: السعي بين الصفا والمروة.
ومن أحكامه:
1 – يجب في السعي قصد القربة الخالصة كأن يقول المحرم: أسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط لعمرة التمتع لحج التمتع قربة إلى الله تعالى.
ولا يجب في النية التلفظ بل يكفي فيها القصد القلبي.
2 – لا يشترط في السعي الطهارة من الحدث بأن يكون الساعي متوضِّئًا. ولا الطهارة من الخبث بألا يكون على بدنه أو ثوبه شيء من الدم أو نحوه. وإن كان الأفضل رعاية الطهارة فيه.
3 – السعي سبعة أشواط يبدأ الشوط الأول منه من الصفا وينتهي بالمروة، ويبدأ الشوط الثاني من المروة وينتهي بالصفا. وهكذا إلى أن يتم السعي في الشوط السابع بالمروة.
4 – يعتبر في السعي استيعاب تمام المسافة الواقعة بين جبل الصفا وجبل المروة.
5 – يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها من الصفا، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع إليه من المروة.
6-اشترط بعض العلماء الموالاة في السعي، وتعني التتابع بين الأشواط من دون فاصل كثير.

الواجب الخامس: التقصير
وهو قص شيء من شعر الرأس (أو اللحية)، فيقول في النية:
أُقصِّرُ للإحلال من إحرام عمرة التمتع قربة إلى الله تعالى.
وبهذا تتم أعمال العمرة، وتحل له الأمور التي حرمت عليه حين انعقاد إحرامه، ما عدا الصيد وقلع نبات الحرم.

ونختم بهذه الرواية في فضل العمرة (والحج)، وهي رواية ابن مسلم، قال (عليه السلام): “مَن قدم حاجًا حتى إذا دخل مكة دخل متواضعًا، فإذا دخل المسجد الحرام قصَّر خُطاه مخافة الله تعالى؛ فطاف بالبيت طوافًا وصلى ركعتين، كتب الله له سبعين ألف حسنة، وحطَّ عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وشفَّعه في سبعين ألف حاجة، وحسب له عتق سبعين (ألف – خ) رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم”.
ورواية الأسدي قوله (عليه السلام): لو تدري ما للحاج من الثواب؟
فقلت: ما أدري حتى تعلمني.
فقال: “إن العبد إذا طاف بهذا البيت أسبوعًا، وصلى ركعتيه، وسعى بين الصفا والمروة كتب الله له ستة آلاف حسنة”. (جامع أحاديث الشيعة، البروجردي 10 / 167).
والحمد لله ربِّ العالمين.


error: المحتوي محمي