نبدأ طريق حياتنا العمرية زحفاً نحو الحياة بخطوات ضعف تشتد تصل إلى ذروة قوتها، ثم تبدأ انحداراً إلى ضعف، وإلى حيث بدأنا، إن طال بنا العمر هذه حياتنا، طريقنا تتخلله حواجز ومعوقات وما ليس في حساباتنا، كلها أو بعضها تغير الخريطة المرسومة في أفكارنا حال التطبيق.
قد نصيب قد نخطئ، يكون أو لا يكون، مستجدات الحياة وتطورها ومفاجآتها لها أدوار، فبأي قلم نكتب هذه القصة؟ الطريق هذه تحتاج منا قوة العزيمة كي نجتاز ونتغلب على صعابها وفهم مجرياتها وقراءة ما حولنا والاستفادة من تجارب مَن سبقنا، بعضها نصارعه بين الفشل تارات والإصرار على تحقيق النجاح تارة أُخرى، فإذا انتصرنا على المتربص بنا في الطريق، حققنا ما خططنا له بنجاح وقهرنا المستحيل، وكتبنا قصة حياة بأقلام من ذهب.
أما إن غالبناه وتغلب علينا فشلنا، نحتاج إلى طريق بديل، الذي بالتأكيد يأتي متأخراً مخالفاً لما رسمناه، قد يكون الأفضل، ولكن في الغالب هو الأسوأ، وبعد خسران الكثير.
وربما نستسلم ونكتب قصة فشل بأقلام بالية والزمان علينا شاهد، إذاً المقياس بين النجاح والفشل هو شدة العزم والإصرار على النجاح وحسن الاختيار، وأخذ المستجدات في الاعتبار ومواكبة العصر، وشطب المستحيل من قاموسنا، وعدم اليأس ومقارعة الفشل مرة ومرات، حتى نحقق النجاح.
من سنوات قرأت أن سيدةً بريطانيةً تقدمت للحصول على رخصة قيادة سيارة فشلت تسعاً وأربعين مرة وفي الخمسين نجحت وحصلت عليها، نرى الطموحات والتقليد والمتغيرات في هذه المسيرة، كلنا عنده حب الأنا، لا يقبل أن يكون الغير أفضل منه إلا ابنه.
يحرص الواعون المدركون بشدة على تربية أبنائهم كما هم، ويرسمون مستقبلهم، ولكن الأيام قد تغير من التوجه والمأمول، يومنا قد لا يناسب يوم أبنائنا، بالأمس نستخدم الإريال لاستقبال إرسال المحطات المرئية، واليوم وإن كان بعضها لا يزال يزين أسطح بيوتنا ولكن بماذا تنفعنا، فضلا عن أن يستفيد منها أبناؤنا؟
العالِم يحرص على أن يكون ابنه عالِماً، والطبيب ابنه طبيباً، والمهندس والتاجر والأستاذ وهكذا، ولكن إن حالف البعض الحظ فقد خسر آخرون، ما يناسب هذا لا يناسب ذاك، وبنظرة شاملة لا يعتبر هذا فشلاً، لأن رسم هذه الطريق أكثره تمني أو غير مدروس، وليس حقيقيًا ومفروضًا، وربما فيما اختاره المُوجَه خير مما اختاره المُوجِه.
من هنا علينا أن نتنبه إلى توجهات وطموحات أبنائنا وندرسها بدقة، البعض منا بسيط في مستواه العلمي والفكري ولا دراية له بما يناسب ابنه أو حتى وإن كان راقيًا علماً، ولكن تقليداً يجبره على تخصص يصعب على المتفوقين، أنت أب لا تجيد القراءة أو تنشئ جملة مفيدة، وتريد من ابنك أن يكون عميد الأدباء أوفي تخصص نادر وهو أقل المستويات فكراً، وإذا فشل حملته النتيجة التي أنت من أسس لها، وصببت عليه غضبك، لماذا؟ حرصاً وبإلحاح شديدين على أن يكون ابنك كما أنت أو كما تريد.
اتركه وما يختار، إن استشارك ولك فيها أشِر، أو أرشده لأصحاب الاختصاص ومن تثق بهم، هم أمكن لتوجيهه، إنْ طب لطبيب وإن هندسة لمهندس، من لا يجيد قيادة سيارة كيف تريد منه أن يكون ربان سفينة؟
الحياة مدرسة، نشاهد ابن العالم بقالاً، وابن الفلاح طبيباً، وابن الفقير تاجراً، وابن البسيط مستشاراً، وابن الطبيب عاملاً، نرى حاد النظر لا يقرأ، وفاقده خزانة علم ومتألق، الكل موجه لما يصلحه ويوفَق إليه.
نقول لتحاشي الفشل؛ علينا حسن اختيار الأنسب، على الآباء استقراء توجهات الأبناء وترغيبهم فيها وتشجيعهم على أحسنها، هذا لا خلاف عليه وفيه، ولكن نهايةً؛ الوقوف معهم فيما اختاروه لا إجبارهم على ما لا يرغبون.