في مساء طويل ومع ظروف لا تشجع البتة على كتابة مقال كمقالاتي، ارتسمت الخيبة والإحباط على محياي حيث لفحني القهر بقسوة خرافية وأنا أمام التلفاز، ولا أدري لن أجيد التعبير لأن عقلي مشغول هنا وهناك وطول الوقت يدق قلبي، ولا أدري لماذا أستكثر القهر والقلق على نفسي! حتى إن فنجان قهوتي قد نسيته في هذا الطقس من الأوضاع، فالحياة هي هكذا ولا يمكن للمرء أن يبقى حيث هو وينال كما يريد، لك أن تستنتج ما شئت وعبثًا أسترجع الملامح لكني أعي جيدًا ما أكتب وإن كانت هناك أماكن وأحداث وشخصيات عندما ألمحها ينقبض صدري ولكن قلبي لا يزال يساير عقلي الذي أهلكه الواقع، العفو أيها القارئ لابتكاري مجازات قد تدهشك.
كم خشيت أن تنساني ذاكرتي المتعبة، وكم سعيت ومازلت أسعى الى إضفاء رونق خاص لفصولي ترضى أيامي الاحتفاظ به، أسعى جاهدة إلى الاحتفاظ بذاكرتي بعذب الكلمات لأستمر، هي ذكرياتنا نخرجها من جيوبنا كلما أحسسنا بالضيق، نعيشها لحظة أوهج الحنين نحكيها نكتب عنها، نصفها لكي تؤسس لنا متكأ يسند بقايا أحلامنا، تُرى كم مرة خذلتنا الذكريات؟
حينما أكتب تختلط الصور وتجتاز مشاعري، حواجز الزمان والمكان وتمنح ذاكرتي “لو شئت” عطرًا للورود التي مرت بي حتى لو كانت بعض وريقاتها صناعية، كما تعلم أيها أيها القارئ، ربما أكتب لأخلد لحظة ما شعرت فيها أننا أكثر من مجرد كائنات حيث نبدأ كلا
في قلوبنا حكايا أزلية واضحة جدًا ولكننا لسبب ما أو رغمًا عنا نحاول أن نتجاهلها، وندع يومًا بعهد جديد، وهو أن أسمو فوق كل ما يلبد رقة المشاعر الإنسانية، وأحمد ربي الذي مكنني من اقتناص الوقت لكتابة تصريح بلون السماء،
إننا نكتب لأننا بحاجة إلى تحرير جدران الروح، وما أجمل أن نتفاعل مع بعضنا ويساند أحدنا الآخر ليسمو تعبيرنا.
إنها مجرد لحظات من الصمت، كم دارت وتدور حولنا حكايا لا تخلو من حكمة لو أنصتنا، وراء الستائر تدور حكايا وحكايا، ربما تحتاج إلى أن ننصت إليها لتشرق، هناك حكايا عديدة لم نكتب عنها بعد لا أعلم إن كنت سأتمكن يومًا من أن أزيح الستار عنها. سئمنا الأقنعة وربما آن الأوان لاكتشاف ملامحنا. هناك لحظات حميمة في الحياة تترك بصماتها، وكأنها عمر بأكمله، ما علينا إلا الاعتزاز بكل من شاركنا لحظات رقيقة صادقة حتى إن بدت مؤقتة زمنيًا، ولكنها تبقى خالدة روحيًا لكي نصل إلى سكينة نحتاج إليها، لابد من الاحتفاء دائمًا بكل ما مر بنا من لحظات أنيقة مهما تعتقت بعد حين.
تمر أحيانًا بنا ومضات تأبى أن تنطفئ، ومن المؤسف أن نعتاد التبلد وهجر النقاء، ما الضير في أن نبدأ يومنا بمنح الفجر لوناً من نبضنا، فالنبض بحاجة دائمة إلى مرافئ ينتمي إليها، ومع كل فجر هناك نسمات متجددة تدعونا لتنفس المعنى، هناك ورود بيضاء تنتظر أن نهديها لمن يمنحنا السكينة، أتمنى أن أدرك سر الورد الأبيض والنوارس البيضاء، من ضمن رحلتنا الحياتية هناك رحلة أخرى معالمها ورود بيضاء لو انتبهنا، فالحياة لا تخلو من رونق لو شئنا.
ما أقسى أن يهجر الإنسان فجأة قلبًا أخلص له من دون أن يفصح له عن السبب، حيث إن التقاء القلوب النقية لا تعيقه الألوان، والوفاء لكل ما مر بنا من نقاء يمنحنا راحة نحتاج إليها، الراحة تلك المفردة، التي نفتقد دومًا من منحنا إياها ولو للحظات.
أرهقني التناقض ربما علي أن أتجاهل أسمى ما أحتاج إليه، ربما من المفروض علي أن أتعود على رائحة الورود الصناعية، أرجوا أن يكون قراري خارج دائرة التطبيق، سأختنق أمام جبروت هذا القرار، الذي لم أستطع أن أسجل كلمة بيضاء على صفحة بيضاء للقراء.
إذا كان اختناقي خلف النخيل، فهذا استنشاق بقوة الرطب الجني وقوة الماء المتدفق، لعلي ألمح لسطوري قصة عصفور مذبوح، هو الآخر اختفى بل اختنق خجلًا من مجازر الإنسانية، فليسامحني القارئ، أحيانًا ليس بيدنا إلا مواجهة خطايا الواقع بالابتسام، ولا أعلم هل سنتمكن يومًا من تحرير الروح لتشفى الآلام,، فبساطة الروح لاتزال إحدى الفضائل التي أتمنى أن توضح يومًا ما تراكمَ عليّ من فوضى.
ربما هناك أحلام أدمناها حد الوهم، لا بأس بهذا في زمن الأرق، يا ليت أحلامنا تتحقق ومن حقنا أن نحلم، وقد تشهد الأسطورة أحلامنا أحيانًا، تأبى أن تكون خجلة، مازلت أتوق إلى مفردات تستطيع أن تستقطب المشاعر عند تحررها,أحياناً لا نملك سوى الأمنيات.
مثلما يتحدث الشعراء والكتاب عن الليل والظلام والعتمة فإننا بالمقابل نتوقع بزوغ الفجر (فجر أي شيء، أبدأ كل يوم بعهد جديد وهو أن أسمو فوق كل ما يلبد رقة المشاعر الإنسانية، وأحيانًا يكون عهدًا من طرف واحد وأحيانًا أتجاهله، يمكن أن نتأمل الفجر ونحن ربما مرغمون على تعود العتمة، لا أعلم إن كنت سأتمكن يومًا من إزاحة الستار! كم هو جميل أن نمر كالطيور الحائرة دون أن نعي بأي وجع ستأسرنا الزهور، وكم هو أجمل أن نكثف ما نكتب دون زوائد لا تفي جدوى الكلام، هل يكفي إدراكنا لأهم ما نحتاج إليه أن يكون دافعًا لأن نزهر الخريف، كل ما ذكرته صحيح ولكن هذا أنا لا أقدر أن أكون غيري أنا، وهنا أعتذر لكل من لا يرى في نصوصي انتماءً أو تصنيفًا! فيسعدني أن أضيف شيئًا من النكهات عبر نصوصي.
ذات قدر الأرض كئيبة بعدما كانت ربيعًا يضحك، والسماء شاحبة لا تكاد تتنفس وقد تلفظ أنفاسها وأتساءل: يا ترى ما سر حزن الأرض؟عندما تكون أرض الوطن متعبة تزداد حاجتنا لأكتاف بعضنا البعض، كم من المفيد أن نتذكر أننا أحيانًا بحاجة لغيرنا، ربما يكون من الأفضل أحياناً أن ندع هذياننا يحلق بهدوء بعيدًا عن فوضى الواقع، ربما من اللطف أن نعتز بكل ما مر بنا من لحظات عذبة حتى ولو كانت كمطر الصيف، فالمشاعر النبيلة تأبى إلا أن تكون حرة، وربما لا تستطيع خلاله أن تحجبها، المحبة والحب أحاسيس ربما أدركها فهي نوعا ما مستهلكة، ولكن ما يؤرقني هو هل يحق لنا أن نشعر بأكثر من الحب؟ أحيانًا لا نستطيع التغلب على رغبتنا بالبوح؛ حيث أسعى جاهدة إلى الاحتفاظ بذاكرتي بعذب الكلمات لأستمر! لابد من محاولة عناق شيء ما لنستمر.
أتساءل أحياناً لماذا هناك إيقاع للنبض، هل هو إشارة إلى أن للروح موسيقى عذبة وما علينا إلا الإنصات؟ ولكن لا علم لي إن كانت هناك طريقة لكتم النبضات، فلغة الروح تأبى إلا أن تكون نقية، سئمنا الأقنعة وربما آن الأوان لاكتشاف ملامحنا!
مقالي هذا رسالة وأعلم أنها لن تصل للبعض الآن، لكني وأنا أكتب لأنني أشعر أنني أشيخُ إذا لم أرسل رسائلي لمن أحب أن تصل إليهم، لتبقى رسائلي مطروحة إلى حينه، وتبقى ذاكرة فكري في عمق الأسرار والتجول.