في بيتنا «صينية»

الفنّ والإبداع مفهومان يعيشان بروح واحدة، ويتعانقان داخل جسد واحد، ويتحركان تحت إدارة فكرية متحدة المركز، مهما استطالت أقطار دوائرها، والمسرح بكل تاريخه الإنساني وإنجازاته، يأتي في قائمة أول الصور لهذا التمازج المفاهيمي بين الفنّ والإبداع.

وتتأكد حقيقة هذا الاتحاد في واقع التفاعل الذي يمر به وعينا الإنساني، بكلّ تمظهراته وأوجه تشكله، تارةً بانبثاق مقولة «إنّ المسرحَ أبو الفنون»، وأخرى، بالعمل على كسر كل ما يعني الجمود أو السكون أو عدم التجدّد وعدم الانتشار، في صياغة الراهن المسرحي القادر على مواكبة اللحظة الإنسانية الفارقة.

إنّ المتابع فضلًا عن المتأمل الراصد لواقع المسرح لدينا أو الذي هو جزء من هذا الواقع، سيصل كمًّا وكيفًا، إلى قياس حجم التأخر الذي يعيشه مسرحنا، هذا الحال هو ناتج حتميّ لإطار الروتين الذي يساهم في نزع ذرات الأكسجين عن أجهزة التنفس المسرحي.

أمام هذه الصورة، وفي مسيرة النقلات النوعية الميمونة التي تظفر بها بلادنا العزيزة، يبدو المسرح السعودي فيها مرشحًا بقوة، أن يكون في مشهد الانطلاق ثم الظهور والتميز، وسط تهيئة جميع البنى التحتية التي يمكنها في توفير ما يخدم صناعة مسرحية جاذبة ومتساوقة مع المعاصر المسرحي عربيًا وعالميًا.

وكما استطاع المسرح المدرسي قبل عقود مضت أن يكتشف المواهب التي صارت ضمن قائمة الفنانين والمسرحيين السعوديين، فإن الاهتمام بمرحلة الاكتشاف الأولي للطالب الموهوب، يمكن أن يثري المستقبل المسرحي الذي يأمل الجميع أن يستشرف إرهاصاته وتجلياته.

وفي نفس المسار، تحتاج المواهب الأولى إلى حاضن مسرحي، بملامح تمنح السطوع، وتحفز للتحليق في فضاءات الإبداع المسرحي، بجميع اختصاصاته.

ولهذا، فإن إنشاء أكاديميات للفنون المسرحية، أو معاهد عليا لهذه الفنون، هو فعل إنمائي جدير بالمرحلة التي يعانق فيها الزهو البديع والنماء المتسارع، بفضل الله تعالى، ثمّ بتوفيقاته سبحانه، لقيادتنا الرشيدة أعزّها الله في إنجاز معالم الرؤية المباركة.

وواقعًا أن الذي حفز على طرح هذا الموضوع، هو لقاء مرئي، الفنان السعودي عبدالناصر الزاير، الشخصية المتميزة في أكثر من اهتمام فني، ومن ذلك مسرح الطفل، وبرامج الطفل عبر مؤسسة الإنتاج الخليجي المشترك.

في اللقاء ذاته، ألمحَ إلى عمل مسرحي قادم في المنطقة الشرقية، مقتضبًا في إشارته بأنّ عنوان العمل هو: «في بيتنا صينية»، وهي مسرحية للكبار يشارك فيها فنانون محترفون.

هذا التحليق في الفضاء الإبداعي المسرحي، هو أحد أبعاد التحول الشامل في مسيرة الوطن والإنسان، والمسرح المتميز يتطلب كاتبًا مسرحيًا متميزًا يحتاج إلى تنمية وتشجيع، و«أعطني مسرحًا أعطيك شعبًا مثقّفًا» على حدّ تعبير المقولة الشهيرة.

ليالي الفرج
كاتبة رأي – صحيفة آراء سعودية


error: المحتوي محمي