الخيال.. توظيفٌ للقدرات

كان من الدُعَابَات التي كنا نتندَّرُ بها كطرفة، وخلف تلك الدُعَابَات خُلِقت حقائق تتخايل في أرض الواقع.

السيناريو البائد الذي سوف أذكره من الذكريات القديمة في ذاكرتي.

عندما دخلت إحدى زميلاتي غرفة المعلمات تخاطب زميلة لي قائلة: “لقد أوقفتِ سيارتك بشكل خاطئ، فلم أستطع إيقاف سيارتي بجانبها مما حدا بي للذهاب لموقف آخر بعيد عن المدرسة”، قالت هذا الكلام وقد رافقه شيء من الضحك ثم أتبعت حديثها بتنهيدة: “متى يأتي اليوم الذي نقود فيه مركباتنا ونستغني عن سائقي الغفلة”.

أمسكت طرف الحديث زميلة أخرى قائلة بفم يعلوه الزهو: “سوف أركب سيارتي (قاهرة الأرض) وأحلق بها إلى مدرستي”، بينما أنهت الحديث إحداهن قائلة: “جميلة تلك الصور الخيالية التي أثْرتْ مُخيلتي ودفعتني لتصفح آخر موديلات السيارات”.

ومع مرور عام على قيادة المرأة للسيارة أصبحت أحلام اليقظة واقعًا وتحول الخيال إلى حقيقة، وأصبح لكل واحدة منّا سيارتها الخاصة وكأنه منظر “شُوهد من قبل”.

يأخذنا الخيال إلى تخوم أماكن لم نزرها ويصارع معنا أحداثًا لم نعشها من قبل، لذلك يُعد الخيال قوة ابتكارية، وقدرة عقلية صانعة لأحداث نتمناها، ربما كانت في طريقها للظهور عيانًا أو أنها في عداد الأمنيات الصرعى.

وقد يكون الخيال مفتاحًا لتحويل أحلام اليقظة إلى حقائق مرئية، وهذا ما يتفق مع تعريف “أرثرث ريبر” الخيال بأنه: “توقعات الحاضر، ومراجعة الماضي، وابتكار المستقبل”.

أما العالم الألماني الشهير آينشتاين، فالخيال عنده أهم من المعرفة، ويُعلل ذلك بأن المعرفة والمعلومات يمكن لأي أحد أن يصل إليها، لكن الخيال يوظف هذه المعرفة للوصول إلى الحقيقة.

وفي الغالب الأعم، يعمل العقل الإنساني على تحريك الصور المتلاحقة التي يصنعها في فضاء خياله المفتقر للواقعية حتى يصل إلى مرحلة الإشباع الجزئي لحلم راوده ويسعى لتحقيقه.

ثم تأخذه أوتار العمل ويعزف أجمل الألحان بتحقق حلمه الذي عاش زمنًا في أروقة الخيال ونسج خطواته التي تعثرت حينًا واستقامت حينًا آخر.

ويملك الطفل قوة تخيّل تمكّنه من نسج قصص خيالية جميلة ربما تكون جسرًا رابطًا بينه وبين تعلم المزيد من العلوم، فتعمل على تطوير قدراته للأحسن وترفع المستوى الإدراكيّ لديه، لذلك لابد من مشاركته للأحداث التي ينسجها خياله وتشجيعه عليها ليشكّل له خطًّا نظاميًا يخلو من فوضى المستحيل.

وطرق أبواب خيال الطفل وسيلة مبتكرة للإشباع الجزئي لأحلامه، تتم من خلاله عملية الإشباع الكليّ بتوجيه الخيال للوجهة الصحيحة، وتصحيح المسارات الحياتية عند المُتخيل لتصبح الصور الخيالية المقيّدة بالعقل حرّة طليقة في أرض الواقع إذا صاحبها العمل.

وللبصيرة النافذة والحدس الصادق دورٌ في هذا التحول الجميل وسط موجة إلحاح العقل وثبات الإرادة وتخطّي أشباح الفشل وتراكماته المخيفة.

إن فاقد لذّة التّخيل من أفقر الناس قدرة على النجاح، فإذا كانت الظروف تخدم البعض في الوصول لمبتغاه فإن البعض لا يصل للنجاح المنصوب في عقله إلا بمسعاه.

ورد في الأثر: “لو تعلّقت همّة أحدكم بالثّريا لنالها”.


error: المحتوي محمي