من البحاري.. العلي: رغم تعرضي للموت بسببها.. أتمنى الحفاظ على النخلة لتتوارثها الأجيال

النخل هو الموطنُ الذي أعيشُ فيه باقي حياتي وهو الأرضُ الطيبة التي ترعرتُ فيها وقدمتُ لها عمري، فهو مسكني وزادي فأنا من عشاقِ تراب النخيلِ منذُ نعومةِ أظافري وأتمنى من أولادي الحفاظ على هذا التراث الأصيل فهي حِرفة الآباءِ والأجداد.

الحاج سعيد بن علي بن مهدي العلي أبو علي ابن قرية البحاري واحد من الفلاحين المعاصرين الذين وهبوا حياتهم للعملِ في مجال الزراعةِ مع الآباءِ والأجدادِ لسنواتٍ طويلةٍ، فرغم أن عمره تجاوزَ السبعينَ عاماً إلا أنه ما زالَ متمسّكاً بعمله في مزرعتهِ الصغيرةِ التي عشقها بجنون.

كان لـ«القطيف اليوم» لقاء مع الحاج “العلي” روى خلاله قصةُ كفاحه التي عاشها بين حرِّ الهجيرِ وبردِ الشتاءِ لأكثر من 65 عاماً متنقلًا من نخلٍ لآخر يعملُ بالأجرِ اليومي لاكتسابِ الرزقِ الحلال وذلك بالإضافةِ لعملهِ في نخلِه الخاص الذي ورثهُ عن والده.

ويؤكد “العلي” أنَّ أهمِّ صفاتِ المزارع الكفء هي حب الأرض والرغبةِ في الزراعةِ فرغمِ انعدامِ المحفزاتِ الماديةِ التي تُعطى للمزارعين إلا أنهم يوجدونَ لأنفسهم محفزاتٍ معنويةٍ نابعة من حبِّ الأرضِ والرغبةِ في العطاء. موضحًا أنهُ عُرِف بالإخلاصِ والتفاني في العملِ، وكان مبدأه؛ “لا مجال للكسلِ في العمل”.

وفسر إصراره على الاستمرار في مزاولة العمل رغم تقدم العمر به قائلًا: “أُعاني من بعضِ الأمراض لكن مهنتي كمزارع وعلاقتي بالأرضِ الطيبة منذُ نعومةِ أظافري دائماً ما تمُدَّني بالأملِ والصحةِ”.

وبصفته أحد المعاصرين لجيل الآباء والأجداد من المزارعين ذكر أهمِّ الفوارق التي يلاحظُها بين الماضي والحاضِر في هذا المجال؛ حيثُ أوضحَ أن هناك فرقًا شاسِعًا جداً بين الماضي والحاضر، فبالأمسِ كان الإنتاجُ وفيرًا والأرضُ كريمةً والشمسُ معتدلةً لكن اليوم غدا كلُّ شيءٍ على النقيضِ تماماً فبدأ الإنتاجُ يقِل وأخذَ في التدهور وبات تأثير حرارة الشمسِ قاتلًا لكل محصول.

واقترح عدة مقترحات لتحسينِ الزراعة في القطيف والوطنِ الغالي؛ حيثُ حثَّ على ضرورةِ الاهتمام بالأرضِ وإعطائها فتراتٍ من الراحةِ وبالأخصِّ بين كل فصلٍ وآخر فبعدَ حصادِ المحاصيل الصيفيةِ لابُد من إعطاءِ الأرض الراحة الكافية والمتنفس والتقليب ومن ثم تبذيرها ببذورِ فصلِ الشتاء، وأشارَ إلى ضرورةِ وجودِ نقابة للمزارعين ورفعُ كفاءة المزارعين البسطاء من خلالِ الدورات والوُرش التثقيفية للتعرفِ على الأساليبِ الصحيحةِ للزراعة.

وعقَّبَ بقولهِ: “نحنُ المزارعين نمتلكُ الكثير من الخبراتِ ومن الضروري الاستفادةُ منها، وأدعو جميع أبناءِ البلد للاهتمامِ بالأرضِ والزراعة وأبسطها الزراعة في المنزل، فهذه الأرضُ الطيبة تُعطي عندما نعطيها فهي سخيةٌ لكن الإنسان هو الظالمُ لها”.

وعدد فوائد النخلةِ قائلًا: “كانت تُعد في الماضي موطننا الذي أكلنا منهُ واستظلينا بظلهِ وتاجرنا بثمارهِ الطيبة وحتى مخلفاتها من التمورِ والحشفِ فيها غذاءٌ مفيدٌ للحيوانات إلا أنَّ الوقتَ الحالي أصبح صعبًا على كل من أشجارِ النخيل وأصحابها فقد كثُرت الآفات التي تصيبُ النخلة وقلَّ الاهتمام من قِبل الأجيال الجديدة وتفاقمت مشاكل المياه في المزارعِ والنخيل حتى باتت الجهود التي يبذلها المزارع لإحياءِ مزرعتهِ تكلّفهُ الكثير من الأموال”.

وتابع: “إنَّ للنخلةِ مكانة كبيرة عند أهالي المنطقة ولا يمكن استبدالها بزراعةِ أي شجرةٍ أُخرى فعلاقة الإنسان بالنخلةِ علاقةٌ تبادلية فكيفما كانت عنايةُ الشخصِ بالنخلةِ يكون المردود، فالنخلة من الأشجارِ الكريمة التي تُكرِم صاحبها وكل أقاربهِ فنحن الآن في موسمِ تباشير الرِطب وهو الموسمُ الذي يتبادل فيه الأهل والجيران أُولى حبات الرطب تعبيراً عن الفرحةِ بجنيِ ثمار النخيلِ اللذيدة”.

وقال الحاج “العلي”: “كلُّ ما أتمناه لإبقاء هذا الرمز – النخيل – حيًا تتوارثهُ جميع الأجيال هو الحفاظُ عليه بكل عزمٍ وعطاء”.

وقفات
س/ إن لموسم تباشير الرِطب عاداتٍ ارتبط بها أهالي المنطقة فما هي؟
ج/ مع بدايةِ الموسم نظل نراقب عذوق النخيل المحملةُ بالخيرات في انتظارِ أن نَجني أوَّل حبة رِطب لكي نعلن للأهالي عن بدءِ موسم الرِطب بل وتتزايد المنافسة فيما بيننا للإعلانِ عن أوَّل حبة قُطِفت للتفاخر بالإنتاجِ المبكر.

س/ كيف تكون استعداداتكم لموسم الرِطب؟
ج/ إنَّ موسم الرِطب من المواسمِ الجميلةِ التي يستعدُّ لها أهالي القطيف وقراها بشكلٍ كبير فلِموسمِ جنيِ الرِطب تحضيراتٌ خاصة لابد أن يقومَ بها أصحابُ مزارع النخيلِ حيثُ تبدأ مع بداية ِالطلعِ والتلقيحِ وتنتهي بعملية قطعِ عناقيد الرِطب وفرزها للتصنيعِ والتجفيف وغيرها في نهاية الموسم.

س/ ما هي أشهرُ أنواعِ الرِطب؟
ج/ أشهرها رِطب الغُرة والماجي والخلاص والخنيزي.

س/ حدِّثنا عن مهنةِ النخلاوي؟
ج/ عُرِفت مهنة النخلاوي منذُ قديم الزمان ولا غِنى عنها في مجالِ زراعة النخيلِ، والنخلاوي هو الشخص الذي يمتهنُ حِرفة إزالةِ السعف اليابس وقواعدِ السعف من النخيل، وتُدعى هذه العلمية بالتقليم، ويعتبرُ التقليم من عمليات الخدمةِ المهمة، حيثُ يتم من خلالِها إزالة السعف الجافِ والذي يزيدُ عمرهُ على 4 إلى 5 سنوات، وذلك عندما تُكوِّن النخلة سعفًا جديدًا أكثرَ قدرةً على التمثيلِ الغدائي”.

س/ كم كان عمركَ عندما تسلقتَ أول نخلة؟
ج/ كان عمري 7 سنوات تقريبًا.

س/ما هو أصعبُ موقفٍ مر عليكَ في حياتك؟
ج/ سقوطي من أعلى النخلةِ ولولا لُطفُ الله سبحانهُ وتعالى لكنتُ في عدادِ الموتى.

س/ من هم أشهرُ الفلاحين في قريةِ البحاري الذين عملت معهم؟
ج/ معظم أهالي البحاري يعملونَ في النخيلِ لكني أذكرُ بعض الأسماء فمنهم؛ المرحوم صالح آل سويد أبو مهدي، والمرحوم هلال آل حماد أبو علي، والمرحوم صالح آل زيد أبو أحمد، والمرحوم عبدالنبي الشقيقي أبو أحمد، والمرحوم مهدي آل كاظم أبو معتوق، والمرحوم علي بن رضي حماد أبو عبدالكريم، والمرحوم عيسى بن رضي حماد أبو عبدالله، والحاج عبدالرسول مغيص أبو نعمة، والحاج عيسى الثنيان أبو أحمد، والأخير يُعد من الخبراءِ في شوؤنِ النخلةِ وهو نخلاويٌّ بارزٌ أعطاهُ الله الصحة والعافية، وهناكَ الكثير ولكن لا تحضر في ذهني أسماؤهم.

البطاقة الشخصية
الحاج سعيد بن علي بن مهدي العلي أبو علي.
مواليد قرية البحاري.
العمر 75 سنة.
الحالة الاجتماعية: متزوج، ولهُ من الأولادِ سبعة ومن البناتِ خمس.
العمل: موظف متقاعد من إدارة التعليم بالمنطقة الشرقية.


error: المحتوي محمي