فارقنا مودعًا، أبو قاسم، الرجل الخلوق الطيب، صاحب القيم النبيلة والعطاء الزاخر، والابتسامة الصادقة المرحة، تحمل الأمراض والآلام.. خلقت لنا الوحشة والحزن الكبير، انتكست الرؤوس، وطأطأت الوجوه..
هذه سنن الله تعالى في خلقه، كلنا يعتقد أن الدنيا هي الأمل الأخير للإنسان، فيضيع في الأوهام المنحرفة والخيالات الباطلة، وعندما يدركه الموت تهتز أركانه، وترتعد فرائصه، ويحسب الحساب للضجعة الأخيرة التي لا رجعة فيها.
أكتب هذه السطور بحزن بالغ وأسى عظيم..
لا أحد يستطيع الاعتراض على قضاء الله وقدره..
والإمام زين العابدين (عليه السلام) يدعو: “اللهم رضّني بقضائك حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخّرت لعلمك بعاقبة الأمور كلها”.
أخط هذه السطور وقلبي يرتجف بين ضلوعي، فعندما نعرف أن الدنيا لحظات قصار سرعان ما تنقضي، البلاء والمصائب ستتجسد في صور جميلة نثاب عليها، ولن يكون الموت حزنًا وكربًا إلا للذي ظن الخلود في الدنيا وأرتع فيها واقتطف من ثمارها الحلال والحرام لأنه يدرك أن هناك من سيذكّره بهذه الدقائق التي تغافل عنها.
أختي الأستاذة الفاضلة/ شاءت إرادة الله سبحانه.. ارتفعت روحه إلى المقام الخالد مع من أحبهم ووالاهم في الدنيا الطيبين الأطهار.
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}…
ما أعظم لوعات الفراق..
ما أصابنا يا أختاه بلاءٌ عظيم ولعلي لا أعرف كيف أوصفه لكِ، نتقبلها بقبول حسن، نتقبلها بعلم وصبر وإيمان.
وقد وقفت الحوراء زينب (عليها السلام) على جسد أخيها الحسين (عليه السلام) ترمق بطرفها إلى السماء قائلة: “اللهم تقبل منّا هذا القربان القليل فداء لوجهك الكريم” فاهتفي مع زينب هذا الهتاف أن يتقيل الله زوجكِ قربانًا إليه.
لا تخشي على مستقبل أولادكِ، فهما بعين الله، وإن الذي فرض عليكِ القرآن لرادكِ إلى معاد.
أختي العزيزة..
كل ما أطلبه منكِ هو أن تصبري وتذكري الله سبحانه دائماً.. المعين لكِ في المحنة..
ضعي رأسكِ في صدر أمكِ الحنون ليطمئن قلبكِ وتعود نبضاته الهادئة.
أدعو الله في هذه الرقدة الطويلة أن يتغمد فقيدنا (عبدالله عبدالباقي آل غانم (أبو قاسم) بالنعيم الخالد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فكيف تترك المقام الخالد من أجل دنيا يسيرة في طريقها إلى الزوال.