
في بادرة رائعة لوزارة العمل تم إنشاء تطبيق (معاً للرصد) الذي يُتيح للمواطنين المساهمة في الكشف عن التجاوزات القانونية التي تقوم بها الشركات ورفع بلاغات مباشرة إلى الوزارة بها. المخالفات التي حُددت في المرحلة الأولى هي: مخالفة بيع تأشيرات العمل أو التوسط في بيعها، ومخالفة العمل تحت أشعة الشمس المكشوفة في أوقات وفترات الحظر أو الظروف المناخية السيئة دون أخذ الاحتياطات اللازمة في الأوقات المحددة، وقيام صاحب العمل بتسجيل شخص سعودي ضمن عمال منشأته دون علمه أو موافقته، وتوظيف عمالة غير سعودية في المهن المقصورة على السعوديين، وتشغيل العاملين من الذكور في الوظائف المقصورة على العاملات السعوديات، والقيام بالتوسط في استقدام عامل أو أكثر دون ترخيص من الوزارة. ومع بدء العمل بهذا التطبيق انهالت بلاغات المواطنين على وزارة العمل حتى سجلت في الفترة من 06/02/1438 حتى 24/02/1438 عدد 2283 بلاغاً بحسب ما أشار إليه محمد الفالح وكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية المساعد للتفتيش وتطوير بيئة العمل في جريدة الرياض السبت 26/11/2016، في دلالة واضحة على الاهتمام المجتمعي الكبير بهذا الأمر.
من أهم الأهداف التي تضمنتها رؤية 2030 هو تحويل عبء التوظيف من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص، بالنظر إلى القطاع الحكومي نجد أنَّ القناة الرسمية للتوظيف فيه هي ديوان الخدمة المدنية الذي يقوم بالتنسيق مع الدوائر الحكومية المختلفة وتغذيتها باحتياجاتها من الموظفين السعوديين، في تصوري أنَّ توسيع نطاق عمل الديوان ليشمل كذلك القطاع الخاص يمكن أن يشكل نقلة نوعية في إدارة ملف التوظيف في هذا القطاع، ذلك أنَّ الأصل في التوظيف الحكومي هو للمواطن ما لم تكن هناك وظيفة لا يمكنه تأديتها، انتقال هذه القاعدة كأصل لعمل ديوان الخدمة في القطاع الخاص سيجعله يسهم بشكل كبير في إيقاف استيراد العمالة الأجنبية وربطها فقط بعدم وجود مواطن سعودي طالب للوظيفة، وهذا تماماً ما أظنه دافعاً للتوظيف، عوضاً عن مبادرات التوطين التي قامت بها وزارة العمل في الفترات السابقة، وتحديدا برنامج نطاقات الذي لم يحقق الأهداف المرجوة منه.
(معاً للرصد) هو تطبيق إلكتروني في الهواتف الذكية تضمَّن حافزاً قدره 10% من قيمة المخالفة للشخص الذي يقوم بالتبليغ، هذه البادرة الذكية دفعت المواطنين للكشف عن آلاف المخالفات في فترات زمنية قصيرة، ما يعني أنَّ سوق العمل ممتلئ جداً بذلك، ولم نكن في وقت من الأوقات نحتاج إلا لبادرة ذكية من هذا النوع يضاف لها حزم في تطبيق القانون على المخالفين لتنقية السوق من الفساد والتجاوز المستمر للقانون، غير أنَّني أعتقد أنَّ الفاسدين يملكون قدرة على ابتكار كثير من الحِيَل للاستمرار في منوالهم، لا سيما فيما يتعلق بتوظيف السعوديين، انطلاقاً من ذلك فإنَّ تحويل ملف التوظيف في القطاع الخاص إلى ديوان الخدمة المدنية أو وضع شرط لتوظيف الأجانب قائم على عدم وجود طالبي وظائف من السعوديين في الديوان يمكن له أن يوقف هذا التلاعب الكبير في هذا الملف، ويُلزم الشركات بتوظيف المواطنين.
في اعتقادي أنَّ ما قامت به وزارة العمل ينبغي أن تبادر له جميع الوزارات لا سيما الخدمية منها، فمعرفة الأخطاء ومحاسبة أصحابها يمكن له جداً أن يسير بالبلاد إلى مزيد من التقدم، الجميل واللافت في الأمر هو إتاحة الفرصة للمشاركة الشعبية في كشف أوجه الفساد المختلفة، وإيجابية هذا الأمر في زرع مفهوم المواطنة المسؤولة التي تعني بالحد الأدنى أنَّ أمن الوطن وتقدمه وخلوه من الفساد هو أقصى غايات المواطن.
الشرق